آيات من القرآن الكريم

وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

[الجزء السابع]

[تتمة سورة المائدة]
علاقة اليهود والنصارى بالمؤمنين عداوة اليهود وإيمان القساوسة والرهبان
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٢ الى ٨٦]
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦)
الإعراب:
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ: جملة فعلية في موضع نصب على الحال من أَعْيُنَهُمْ لأن تَرى هاهنا من رؤية العين.
لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ: في موضع نصب على الحال من ضمير لَنا كقولهم: مالك قائما.
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها: بِما قالُوا:
ما مصدرية وهي مع الفعل بعدها في تقدير المصدر، وتقديره: بقولهم. جَنَّاتٍ مفعول ثان لأثابهم تَجْرِي جملة فعلية في موضع نصب على الوصف لجنات. خالِدِينَ فِيها: حال من الهاء والميم في فَأَثابَهُمُ.

صفحة رقم 5

البلاغة:
عَداوَةً... ومَوَدَّةً بينهما طباق.
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ معناه: تمتلئ من الدمع حتى تفيض، استعار الفيض الذي هو الانصباب لامتلاء العين بالدمع حتى تفيض مبالغة لأن الفيض: أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه، فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء، وهو من إقامة المسبب مقام السبب، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء، فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أي تسيل من الدمع من أجل البكاء (الكشاف: ١/ ٤٧٩).
المفردات اللغوية:
النَّاسِ هم اليهود العرب ومشركو العرب ونصارى الحبشة في عصر التنزيل. عَداوَةً اعتداء وبغضاء، والعداوة ضد المسالمة والمحبة الَّذِينَ أَشْرَكُوا هم الذين جعلوا مع الله إلها آخر كعبدة الأوثان من أهل مكة، وسبب عداوتهم للمؤمنين: هو زيادة كفرهم وجهلهم وإغراقهم في اتباع الهوى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ أي قرب مودتهم للمؤمنين بسبب أن منهم قِسِّيسِينَ جمع قسّ وقسّيس، وهو أحد رؤساء النصارى، العالم بالدين والكتب فوق الشماس ودون الأسقف، والقسيسون: علماء النصارى وَرُهْباناً عبادا، جمع راهب: وهو العابد المتفرع للعبادة في دير أو صومعة. وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن اتباع الحق، كما يستكبر اليهود وأهل مكة.
ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ القرآن تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ تمتلئ دمعا حتى يتدفق من جوانبها، لكثرته آمَنَّا صدّقنا بنبيك وكتبك فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ المقربين الذين يشهدون بربوبيتك وألوهيتك وبتصديق نبيك.
وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ لم لا نبادر إلى الإيمان مع وجود مقتضيه وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ القرآن أَنْ يُدْخِلَنا الجنة مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ المؤمنين.
فَأَثابَهُمُ جازاهم بِما قالُوا أي بما أعلنوا من اعتقاد.
سبب النزول:
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير قالوا: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أمية الضمري، وكتب معه

صفحة رقم 6

كتابا إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين، ثم أمر جعفر بن أبي طالب، فقرأ عليهم سورة مريم، فآمنوا بالقرآن، وفاضت أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله فيهم: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً إلى قوله:
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ.
وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: بعث النجاشي ثلاثين رجلا من خيار أصحابه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقرأ عليهم سورة يس، فبكوا وقالوا:
ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فنزلت فيهم الآية.
وأخرج النسائي عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ.. وروى الطبراني عن ابن عباس نحوه «١». قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي: المراد به النجاشي وقومه الذين قدموا من الحبشة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم وآمنوا به.
قال الطبري: والصواب في ذلك من القول عندي: أن الله تعالى وصف صفة قوم قالوا: إنا نصارى: أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيمان بالله ورسوله، ولم يسمّ لنا أسماءهم. وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي، ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا على شريعة عيسى، فأدركهم الإسلام، فأسلموا لما سمعوا القرآن، وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه «٢».
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى أحوال أهل الكتاب، فأوضح مخازي اليهود وعيوبهم، ومن أهمها قولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة ٥/ ٦٤]، وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ [آل

(١) أسباب النزول للسيوطي، أسباب النزول للواحدي.
(٢) تفسير الطبري: ٧/ ٣.

صفحة رقم 7

عمران ٣/ ١٨١]، وأبان زيف عقيدة النصارى في التثليث وتأليه المسيح، ذكر هنا موقفهم في العداوة والمحبة من المؤمنين، ونبه على أن اليهود في غاية العداوة للمسلمين، ولذلك جعلهم قرناء للمشركين في شدة العداوة، بل إنهم أشد عداوة من المشركين لتقديم ذكرهم على ذكر المشركين،
قال صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه ابن مردويه عن أبي هريرة: «ما خلا يهودي بمسلم قط إلا همّ بقتله»
وذكر تعالى أن النصارى ألين عريكة من اليهود وأقرب إلى المسلمين منهم.
التفسير والبيان:
أقسم الله تعالى بذاته على أن أشد الناس المعاصرين للتنزيل عداوة للمؤمنين هم اليهود لأن كفرهم كفر عناد وجحود وهضم للحق، بل إن عداوتهم أشد من عداوة المشركين لتقديمهم في الذكر، ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء، حتى هموا بقتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير مرة، وسموه وسحروه، وألّبوا عليه أشباههم من المشركين، ثم يليهم في العداوة والبغضاء المشركون عبدة الأوثان لجهلهم بحقائق الدين، وبالإله الحق، وبالنبوات، والفريقان متشابهان في الكفر والعتو والبغي وغلبة الحياة المادية وحب الذات.
وأشد ما لقي النبي صلّى الله عليه وسلّم من أذى، كان من يهود الحجاز، ومن مشركي العرب في الجزيرة، وخاصة أهل مكة والطائف.
ووالله إن أقرب الناس محبة ومودة للمؤمنين: الَّذِينَ قالُوا: إِنَّا نَصارى أي قالوا: إنهم أتباع المسيح والإنجيل، فكان فيهم في الجملة مودة للإسلام وأهله، لما في قلوبهم على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً [الحديد ٥٧/ ٣٧] وفي الإنجيل: «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر».
وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم من النصارى خيرا، فتلقى نصارى الحبشة المؤمنين

صفحة رقم 8

المهاجرين إليها بالحماية والتكريم، هربا من أذى المشركين، ورد هرقل ملك الروم النصارى كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ردا حسنا، بعد أن حاول إقناع رعيته بقبول الإسلام، وكان المقوقس عظيم القبط في مصر أحسن منه ردا، فأرسل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم هدية، وبعد فتح مصر والشام أسلم كثير من النصارى في تلك البلاد، لما رأوا في الإسلام من مزايا، وأسلم أصحمة النجاشي ملك الحبشة مع بطانته، ولما مات صلّى عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الجنازة على الغائب ونعاه للناس.
وكان سبب مودة النصارى للمؤمنين: أنه يوجد فيهم قسيسون (علماء) ورهبان (عبّاد) يدعون للإيمان والفضيلة والتواضع، والزهد والتقشف، ولا يستكبرون عن سماع الحق والإنصاف وينقادون له، فوصفهم الله بالعلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتّباعه، والإنصاف.
وإذا سمعوا شيئا من القرآن المنزل على الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، بكوا بكاء حارا غزيرا تعاطفا مع كلام الله، وما عرفوا من الحق، مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم يبادرون لقبول دعوة الإيمان قائلين: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، والمراد به إنشاء الإيمان والدخول فيه أي آمنا بك وبرسلك وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فاكتبنا مع من يشهد بصحة هذا المنزل على الأنبياء ومنهم محمد صلّى الله عليه وسلّم، ويشهد لك بالوحدانية. وروى ابن مردويه وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس في قوله: فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع محمد صلّى الله عليه وسلّم وأمته الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة، كما قال تعالى في خصائص أمة المصطفى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة ٢/ ١٤٣].
ثم أكدوا قولهم فقالوا: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ.. إنكار استبعاد أي ولا مانع يمنعنا من الإيمان بالله، واتباع الحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم، ونطمع أن يدخلنا ربنا الجنة بصحبة الصالحين أتباع هذا النبي الكريم الذين ثبت لنا صلاحهم وصحة إيمانهم.

صفحة رقم 9

وهؤلاء الذين آمنوا من النصارى هم المذكورون في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ، لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران ٣/ ٢٠٠] وفي قوله تعالى أيضا:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا: آمَنَّا بِهِ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ إلى قوله: لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [القصص ٢٨/ ٥٢- ٥٥].
لذا جازاهم الله على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق، فقال: فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ... أي جعل جزاءهم دخول الجنة دار النعيم، التي تجري من تحتها الأنهار، أي تسيل مياهها من تحت أشجارها، وهم ماكثون فيها أبدا، وهذا هو جزاء المحسنين: الذين أحسنوا في اتباعهم الحق وانقيادهم له مهما كان مصدره، ونعيم الآخرة يصعب علينا معرفته وتحديده، لقوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة ٣٢/ ١٧].
أما الذين كفروا وكذبوا بآيات الله، أي جحدوا بها وخالفوها، وأنكروا وحدانية الله ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم فأولئك هم أهل النار والداخلون فيها، والمقيمون إقامة دائمة فيها.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الآيات مثل عال دقيق للإنصاف والحق والعدل، إذا أنها قسمت الناس إلى فريقين: فريق المؤمنين والموالين لهم وجزاؤهم جنات النعيم، وفريق المشركين والكفار الموالين لهم من اليهود وجزاؤهم نيران الجحيم.
إنه إنصاف من الناس لأنفسهم وإنصاف من الله تعالى لهم.
لقد أنصف جماعة من النصارى أنفسهم بسبب إذعانهم لدين الحق والتوحيد، فآمنوا بالله ورسوله وبالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم لأنهم كانوا يعلّمون الناس أصول الدين

صفحة رقم 10

الصحيح من توحيد الله تعالى والتصديق بجميع الأنبياء والدعوة إلى الفضائل والأخلاق الحميدة، وكانوا يتعبدون بإخلاص في الأديرة والصوامع ويخشعون لخالق الأرض والسماء، وليس لهم مطمع في مصالح دنيوية، أو رئاسة فارغة، ولم تعمهم العصبية لدين ما عن ولائهم لدين آخر، ولم تحجبهم عن إعلان إيمانهم بالله ورسله وبما أنزل الله. فتراهم بما استقر في جوانحهم من إيمان صحيح بالله وبالأنبياء يصغون إصغاء تدبر وإمعان وإنصاف للحقائق لما أنزل إلى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، وتفيض أعينهم بالدموع، بسبب ما وجدوا من تطابق الحق الذي عرفوه وما سمعوه في القرآن الكريم، فسألوا الله أن يتقبل منهم، وجددوا إيمانهم بالله وبرسله، وطلبوا أن يكونوا من جملة الشاهدين بحق على صدق وصحة دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم والشاهدين بالحق من قوله عز وجل، والشاهدين على سائر الأمم يوم القيامة بتبليغ أنبيائهم لهم رسالة الله الحقة.
وهذه أحوال العلماء العاملين المنصفين يذعنون للحق ويستجيبون للإيمان الصحيح، وتخشع جوارحهم لذكر الله، كما قال سبحانه وتعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر ٣٩/ ٢٣] وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال ٨/ ٢].
والخلاصة: لقد بيّن الله سبحانه في هذه الآيات أن أشد الكفار تمردا وعتوا وعداوة للمسلمين اليهود، ويضاهيهم المشركون، وأن أقرب الناس مودة للمؤمنين هم نصارى ذلك الزمان.
ومن علائم إنصاف أولئك النصارى الذين آمنوا بدعوة الإسلام إيمانا جريئا عدا اعترافهم بصحة المنزل من القرآن في شأن عيسى عليه السلام وإثبات البعث

صفحة رقم 11
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية