آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

(٤٥٦) ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إِن الرجل من بني إِسرائيل كان إِذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه، فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم».
قوله تعالى: لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ قال الزجاج: اللاّم دخلت للقسم والتوكيد، والمعنى:
لبئس شيئاً فعلهم.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)
قوله تعالى: تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ في المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم المنافِقُون، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد. والثاني: أنهم اليهود، قاله مقاتل في آخرين، فعلى هذا القول انتظام الآيات ظاهر، وعلى الأول يرجع الكلام إلى قوله تعالى فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ. وفي الذين كفروا قولان: أحدهما: أنهم اليهود، قاله أرباب القول الأول.
والثاني: أنهم مشركو العرب، قاله أرباب هذا القول الثاني.
قوله تعالى: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أي: بئسما قدموا لمعادهم أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قال الزجاج: يجوز أن تكون «أن» في موضع رفع على إِضمار هو، كأنه قيل: هو أن سخط الله عليهم.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٢ الى ٨٣]
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)
قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ قال المفسّرون: نزلت هذه الآية وما بعدها مما يتعلق بها في النجاشي وأصحابه. قال سعيد بن جبير: بعث النجاشي قوما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأسلموا، فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، وسنذكر قصّتهم فيما بعد. قال الزجاج: واللام في «لتجدن» لام القسم، والنون دخلت تفصل بين الحال والاستقبال، و «عداوة» منصوب على التمييز، واليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين حسداً للنبيّ عليه السّلام.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني: عبدة الأوثان. فأما الذين قالوا إِنا نصارى، فهل هذا عام

أخرجه أبو داود ٤٣٣٦ و ٤٣٣٧ والترمذي ٣٠٥٠ وابن ماجة ٤٠٠٦ وأحمد ١/ ٣٩١ من حديث أبي عبيدة عن أبيه عن ابن مسعود، وفيه إرسال بينهما. وله شاهد من حديث أبي موسى، أخرجه الطبراني كما في «المجمع» ١٢١٥٣ وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. وفي الباب أحاديث يحسن بها، وقد وهم من حكم بضعفه.

صفحة رقم 574

في كل النصارى أم خاص؟ فيه قولان: أحدهما: أنه خاص، ثم فيه قولان: أحدهما: أنه أراد النجاشي وأصحابه لما أسلموا، قاله ابن عباس وابن جبير. والثاني: أنهم قوم من النصارى كانوا متمسّكين بشريعة عيسى، فلما جاء محمد عليه السلام أسلموا، قاله قتادة. والقول الثاني: أنه عام. قال الزجاج:
يجوز أن يراد به النصارى لأنهم كانوا أقلَّ مظاهرةً للمشركين من اليهود.
قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً قال الزجاج: «القس» و «القسيس» من رؤساء النصارى. وقال قطرب: القسيس: العالم بلغة الروم، فأما الرهبان: فهم العباد أرباب الصوامع. قال ابن فارس: الترهّب: التعبّد، فان قيل: كيف مدحهم بأن منهم قسيسين ورهبانا وليس ذلك من أمرِ شريعتنا؟ فالجواب: أنه مدحهم بالتمسّك بدين عيسى حين استعملوا في أمر محمد ما أخذ عليهم في كتابهم، وقد كانت الرهبانية مستحسنة في دينهم. والمعنى: بأن فيهم علماء بما أوصى به عيسى من أمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قال القاضي أبو يعلى: وربما ظن جاهلٌ أن في هذه الآية مدح النصارى، وليس كذلك، لأنه إِنما مدح مَن آمن منهم، ويدل عليه ما بعد ذلك، ولا شك أن مقالة النصارى أقبح من مقالة اليهود.
قوله تعالى: وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، أي: لا يتكبرون عن إتباع الحق.
قوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ.
(٤٥٧) قال ابن عباس: لمّا حضر أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين يدي النّجاشيّ، وقرءوا القرآن، سمع ذلك القسيسون والرهبان، فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، فقال الله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ إلى قوله تعالى: الشَّاهِدِينَ.
(٤٥٨) وقال سعيد بن جبير: بعث النجاشي من خيار أصحابه ثلاثين رجلاً إِلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليهم القرآن، فبكوا ورقُّوا، وقالوا: نعرف والله، وأسلموا، وذهبوا إِلى النجاشي فأخبروه فأسلم، فأنزل الله فيهم وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ... الآية.
(٤٥٩) وقال السدي: كانوا اثني عشر رجلاً سبعة من القسيسين، وخمسة من الرّهبان، فلمّا قرأ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن، بكوا وآمنوا، فنزلت هذه الآية فيهم «١».

حسن. أخرجه الطبري ١٢٣٢٠ من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بأتم منه، ورجاله ثقات، لكن فيه إرسال بين علي وابن عباس. وله شاهد عن عبد الله بن الزبير، أخرجه النسائي في «التفسير» ١٦٨ والطبري ١٢٣٣٠، وله شاهد من مرسل عطاء، أخرجه الطبري ١٢٣٢٢.
مرسل. أخرجه الطبري ١٢٣١٨ عن خصيف الجزري عن سعيد بن جبير مرسلا.
- وكرره برقم ١٢٣٢٨ عن سالم الأفطس عن سعيد به.
مرسل. أخرجه الطبري ١٢٣٢١ بأتم منه عن السدي مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف. وله شاهد عن أبي صالح، أخرجه الطبري ١٢٣٢٦ وهو مرسل، وفيه راو لم يسمّ. الخلاصة: هذه الروايات جميعا تتأيد بمجموعها، فيكون النجاشي وأصحابه الذين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم من هؤلاء، ويدخل في ذلك كل من اتصف بذلك من أهل الكتاب، وأصح ما في الباب حديث ابن الزبير وابن عباس. وانظر التعليق الآتي.
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «جامع البيان» ٥/ ٥: والصواب في ذلك من القول عندي: أن الله تعالى وصف صفة قوم قالوا: إِنَّا نَصارى، أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيمان بالله ورسوله، ولم يسمّ لنا أسماءهم، وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي، ويجوز أن يكونوا قوما كانوا على شريعة عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه.

صفحة رقم 575
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية