آيات من القرآن الكريم

كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

(كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)
* * *
هذا النص فيه معنى التفسير للآية السابقة، لأنه يبين عموم العصيان والاعتداء فيهم، لأن الاعتداء في الكثير يقع من بعضهم، فكيف ينسب إلى كلهم، وفي هذا النص إشارة إلى أن سبب فساد الأمم في عمومها هو السكوت على المنكر فيها، والمنكر هو الأمر القبيح في ذاته وينهى الشارع عنه، والتناهي يطلق بإطلاقين، وهو الانتهاء عن الفعل الآثم، ومعنى النص على هذا: أنهم يعصون الله تعالى ما أمرهم ويصرون عليه، ويستمرون على فعلهم، فلا يتوبون ولا يرجعون، ولكن ليس هذا هو الظاهر المشهور.

صفحة رقم 2319

والإطلاق الثاني لمعنى التناهي أن ينهى بعضهم بعضا إذا وقع المنكر فيهم وهو الظاهر، والتناهي عن المنكر يشتمل على ثلاثة معان كلها داخل فيه: أولها - أن يوجد فيهم ناه عن الشر يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، سواء أكان الناهي عددا كبيرا، أم كان عددا قليلا، فليست الكثرة مطلوبة، إنما المراد الوقوع منه.
ثانيها - أن يمنع الفعل قبل وقوعه أو يقلله بدفع الكثير منه.
ثالثها - أن يستنكره؛ لأن السكوت عنه رضا، وبذلك يدفع الاعتراض الذي أورده بعض المفسرين وهو كيف يتصور النهي عن الفعل بعده، فنقول: إن النهي عن المنكر بعد وقوعه إنما هو استنكاره، لأنه يمنع الفعل في المستقبل.
وقد نسب الفعل إليهم أجمعين إذ وقع من بعضهم، وسكت عنه سائرهم ولذا قال سبحانه: (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ). وقد أكد سبحانه وتعالى نسبة الفعل إليهم باللام والقسم المطوي، وذمهم ذما مؤكدا، فالفعل بئس يدل على الذم، والذم كان منصبا على الفعل رجاء إيمانهم، وقد روى ابن مسعود أن النبي - ﷺ - قال: " من رضي عمل قوم فهو منهم، ومن كثر سواد قوم فهو منهم " (١).
والآية تدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الأمم، ولا صلاح لهم إلا إذا قاموا بحقه، فالأمم تصلح بالأمر بالمعروف، وتفسد بتركه، ولذلك اعتبره القرآن خاصة الأمة الإسلامية، وبه خيرها، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...).
________
(١) رواه الديلمي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. جامع الأحاديث (٢٢٩٦٩) ج ٧، ص ٣٤٩.

صفحة رقم 2320

وقد قال عليه الصلاة والسلام: " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " (١). ويقول عليه الصلاة والسلام: " إن الله لَا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه " (٢). ولقد تنبأ رسول الله - ﷺ - بأن ضياع المسلمين عندما يختفي فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد روى أنس بن مالك، أن بعض صحابة رسول الله - ﷺ - سألوه قائلين يا رسول الله: متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال - ﷺ -: " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم ". قالوا: يا رسول الله، وما ظهر في الأمم قبلنا؛ قال - ﷺ -: " إذا كان الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالكم " (٣).
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عصام الأمة وهو مكون الرأي العام الفاضل، ويقال: إن الأمة كلها تعصي إذا ظهر العصيان، ولم تستنكره.
* * *
________
(١) رواه أحمد: باقي مسند الأنصار - حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (٢٢٧٩٠).
(٢) رواه أحمد: مسند الشاميين - حديث عدي بن عميرة الكندي (١٧٢٦٧).
(٣) تَفْسيرُ مَعنَى قَوْلِ النبِيِّ - ﷺ -: " وَالعِلْمُ فِي رُذَالَتِكُمْ " إِذَا كَانَ العِلْمُ فِي الْفُسَّاقِ.
والحَديث رواه ابن ماجه: الفتن - قوله تعالى: (عليكم أنفسكم) (٤٠١٥)، وبنحوه رواه أحمد: باقي مسند المكثرين (١٢٥٣١) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

صفحة رقم 2321
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية