
إن قيل: لم قال: (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،
وذلك يقتضي أن يكون بعضٌ منهم كافرين.
وقد قال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا) فحكم بكفر جميعهم قيل: إنما قال الذين كفروا منهم تنبيها أن العذاب يتوجه على من دام به الكفر ولم يقلع، ولهذا عقبه بقوله: (أَفَلَا يَتُوبُونَ).
إن قيل: لم قال: (لَيَمَسَّنَّ) فذكر المس، وذلك يقتضي بتقليل العذاب.
قيل: بل المس يقتضي مبالغة في وصف عذابهم، لأن المس يقتضي اللمس، وذلك أعم الحواس وأكثرها وجوداً إذ لا حيوان إلا وله اللمس، ولأنه أعرف الحواس عند الخاص والعام.
قوله عز وجل: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)
الصديقة الكثيرة الصدق، فقد قيل: إنها لم تكذب قط،
وقيل: لتصديقها جبريل لما قال:

(إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩).
الخلو: تعرِّي الزمان أو المكان مما فيه، أو تعرى الشيء من زمان ومكان. وإذا قيل: لا يخلوا الأمر من كذا، فمعناه لا يتعرى ولا ينفك،
احتج تعالى على من ادعى الربوبية لعيسى بما يزيل الشبهة في ذلك، وهو أن غاية ما لعيسى ﷺ كونه رسولا، ذا معجزات قد شاركه في مثلها غيره من الأنبياء كإبراهيم حيث أُلقي في النار فسلم منها، وموسى حيث أَلقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، وفلق البحر له في تسع آيات، وأنه في كونه من غير أب لم يكن بأعجب من آدم الذي
كان من غير أب ولا أم، ونبه على قصوره عن آدم بكونه من أم، وأن كونها
صديقه لا يقتضي لها ولا لابنها الربوبية بل أكثر ما في ذلك أن يكونا من جملة
الصديقين، ثم نبه على بعضهما بافتقارهما إلى الطعام المقتضي لبعض الحاجة فكنى تعالى عن ذلك بأحسن كناية ثم عجب منهم بقوله: (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) وإذا كان حالُهما لا يخفَى ومع
ذلك ينصرفون عن الحق وتفهمه.
قيل معنى: (يُؤْفَكُونَ): يصرفون