آيات من القرآن الكريم

لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

تكذيب اليهود رسلهم وقتلهم إياهم
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٠ الى ٧١]
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١)
الإعراب:
أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ أن في حالة النصب هذه خفيفة ناصبة للفعل المستقبل. ويجوز الرفع في تَكُونَ على أن تجعل «أن» مخففة من الثقيلة، وتقديره: وحسبوا أنه لا تكون فتنة. فخففت أن وجعلت أَلَّا عوضا عن تشديدها. وإنما جاز أن تقع «أن» خفيفة مخففة من الثقيلة لأن في «حسب» طرفا من اليقين والشك، والمخففة من الثقيلة إنما تقع بعد فعل اليقين كعلمت وعرفت، وأن الخفيفة تقع بعد فعل الشك كرجوت وطمعت. وتكون هاهنا تامة بمعنى تقع، فلا تفتقر إلى خبر.
كَثِيرٌ مِنْهُمْ إما مرفوع على البدل من واو عَمُوا وَصَمُّوا أو مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره: العمي والصم كثير منهم أو مرفوع لأنه فاعل عَمُوا وَصَمُّوا وتجعل الواو للجمعية لا للفاعل، على لغة من قال: «أكلوني البراغيث» وهذا ضعيف لأنها لغة غير صحيحة.
البلاغة:
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ عبر بالمضارع عن حكاية الحال الماضية بما عملوا استحضارا لأوضاعهم القبيحة، ومراعاة لخواتيم الآيات.
فَعَمُوا وَصَمُّوا استعار العمى والصمم للإعراض عن الهداية والإيمان.

صفحة رقم 266

المفردات اللغوية:
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ على الإيمان بالله ورسله بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ من الحق كذبوه فَرِيقاً منهم كذبوه وَفَرِيقاً منهم يَقْتُلُونَ كزكريا ويحيى، والتعبير به دون:
قتلوا حكاية للحال الماضية، مراعاة لفواصل الآيات، والمراد: فريقا كذبوه وفريقا قتلوه.
وَحَسِبُوا ظنوا أَلَّا تَكُونَ ألا تقع فِتْنَةٌ عذاب بهم على تكذيب الرسل وقتلهم فَعَمُوا عن الحق، فلم يبصروه وَصَمُّوا عن استماعه وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فيجازيهم به.
المناسبة:
الكلام مستمر في شأن أهل الكتاب وتعداد قبائحهم، فبعد أن أبان سبحانه أنه أخذ الميثاق على اليهود، أعاد التذكير به مرة أخرى.
التفسير والبيان:
يذكر الله تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل بالسمع والطاعة لله ولرسوله، فنقضوا العهد والميثاق، واتبعوا آراءهم وأهواءهم، وقدموها على الشرائع، فما وافقهم منها قبلوه، وما خالفهم ردوه.
والميثاق: العهد المؤكد، وأخذ الله العهد على اليهود في التوراة بتوحيد الله واتباع أحكام شرع الله، فنقضوا الميثاق وعاملوا الرسل إما بالتكذيب المستلزم للإعراض، وإما بالقتل.
وظنوا أن لا يترتب على ما صنعوا شر لهم، وألا تقع بهم فتنة أي اختبار بما فعلوا من الفساد، لزعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، ولكن ترتب على فسادهم سوء، وهو أنهم عموا عن الحق، وصموا آذانهم عن استماعه وعن تدبر آيات الله، فلا يسمعون حقا، ولا يهتدون إليه، فتسلط عليهم البابليون وأحرقوا المسجد الأقصى ونهبوا أموالهم وسبوا أولادهم ونساءهم، ثم تاب الله عليهم مما كانوا فيه حين تابوا

صفحة رقم 267

وتركوا الفساد، وأعاد إليهم ملكهم على يد ملك من ملوك الفرس، وعمر لهم بيت المقدس، ورد من كان في أسر بختنصّر إلى وطنهم.
ثم عموا وصموا مرة أخرى، حيث طلبوا رؤية الله، وقتلوا الأنبياء كزكريا ويحيى، وحاولوا قتل عيسى بن مريم، وعصوا أوامر الله والرسل، فسلط الله عليهم الفرس، ثم الرومان، فأزالوا ملكهم وسلبوا استقلالهم.
وقوله تعالى: كَثِيرٌ مِنْهُمْ يشير إلى أن أكثرهم عصاة، وأقلهم مؤمنون صالحون.
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أي مطلع عليهم، وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية منهم، وعالم بما يدبرونه من الكيد والمكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء والمرسلين.
فقه الحياة أو الأحكام:
تكررت المعاهدات والمواثيق مع بني إسرائيل ألا يعبدوا إلا الله، وما يتصل به، وكل هذا يتناسب مع ما بدئت به سورة المائدة: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.
ولكن اليهود أعداء الله والإنسانية نقضوا العهود والمواثيق، وقابلوا الرسل إما بالتكذيب والصد والإعراض، وإما بالقتل، فقد كذبوا عيسى وغيره من الأنبياء، وقتلوا زكريا ويحيى وغيرهما من الأنبياء.
وظن هؤلاء الذين أخذ عليهم الميثاق أنه لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختبار بالشدائد، اغترارا بقولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة ٥/ ١٨].
وإنما اغتروا بطول الإمهال، فعموا عن الهدى، وصموا عن سماع الحق لأنهم لم ينتفعوا بما رأوه ولا سمعوه. ثم تاب الله عليهم بعد الاختبار، وكشف عنهم الغمة والكربة، وصيرهم أحرارا بعد أن كانوا أسرى مستعبدين.

صفحة رقم 268
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية