آيات من القرآن الكريم

أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

بعض أحكام التوراة. وقوله تعالى: وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ أَيْ وَجَعَلْنَا الْإِنْجِيلَ هُدًى يهتدى به، وموعظة أي زاجرا عَنِ ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ، لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ لِمَنِ اتقى الله وخاف وعيده وعقابه.
وقوله تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ قرئ وليحكم أهل الإنجيل بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ كَيْ، أَيْ وآتيناه الإنجيل لِيَحْكُمْ أَهْلُ مِلَّتِهِ بِهِ فِي زَمَانِهِمْ، وَقُرِئَ وليحكم بالجزم على أن اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ، أَيْ لِيُؤْمِنُوا بِجَمِيعِ مَا فِيهِ، وَلِيُقِيمُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فِيهِ، وَمِمَّا فيه البشارة ببعثة محمد وَالْأَمْرُ بِاتِّبَاعِهِ وَتَصْدِيقِهِ إِذَا وُجِدَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [المائدة: ٦٨] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ إلى قوله الْمُفْلِحُونَ [الْأَعْرَافِ: ١٥٧]. وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أَيِ الْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ، الْمَائِلُونَ إِلَى الْبَاطِلِ، التَّارِكُونَ لِلْحَقِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الآية نزلت في النصارى، وهو ظاهر من السياق.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى التَّوْرَاةَ التي أنزلها على موسى كليمه، وَمَدَحَهَا وَأَثْنَى عَلَيْهَا وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا حَيْثُ كَانَتْ سَائِغَةَ الِاتِّبَاعِ وَذَكَرَ الْإِنْجِيلَ وَمَدَحَهَ وَأَمَرَ أَهْلَهَ بِإِقَامَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، شرع فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عبده ورسوله الكريم، فقال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ أَيْ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ ذِكْرَهُ وَمَدْحَهُ، وَأَنَّهُ سَيَنْزِلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ نُزُولُهُ كَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ، مِمَّا زَادَهَا صِدْقًا عِنْدَ حَامِلَيْهَا مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ الَّذِينَ انْقَادُوا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَاتَّبَعُوا شَرَائِعَ اللَّهِ، وَصَدَّقُوا رُسُلَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا [الْإِسْرَاءِ: ١٠٧] أَيْ إِنْ كَانَ مَا وعدنا الله على ألسنة رسله المتقدمة مِنْ مَجِيءِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَفْعُولًا، أَيْ لكائنا لا محالة ولا بد.
قوله تعالى: وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ،

صفحة رقم 115

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ، قَالَ: الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كتاب قبله. ورواه عَنْ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَعَطِيَّةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ والسُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ جرير «١» : القرآن أمين على الكتب المتقدمة قبله، فَمَا وَافَقَهُ مِنْهَا فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا خَالَفَهُ مِنْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَعَنِ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُهَيْمِناً أَيْ شَهِيدًا، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُهَيْمِناً أَيْ حَاكِمًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ اسْمَ الْمُهَيْمِنِ يَتَضَمَّنُ هَذَا كُلَّهُ، فَهُوَ أَمِينٌ وَشَاهِدٌ وَحَاكِمٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ، جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْكِتَابَ الْعَظِيمَ الَّذِي أَنْزَلَهُ آخِرَ الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها حَيْثُ جَمَعَ فِيهِ مَحَاسِنَ مَا قَبْلَهُ، وَزَادَهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ، مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ، فَلِهَذَا جَعَلَهُ شَاهِدًا وَأَمِينًا وَحَاكِمًا عَلَيْهَا كُلِّهَا وَتَكَفَّلَ تَعَالَى بِحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الْحِجْرَ: ٩].
فَأَمَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِينٌ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنْ فِي تَفْسِيرِ هَذَا بِهَذَا نَظَرٌ، وَفِي تَنْزِيلِهِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ أيضا نظر، وبالجملة فالصحيح الأول.
وقال أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ»
بَعْدَ حِكَايَتِهِ لَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلْ هُوَ خَطَأٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُهَيْمِنَ عَطْفٌ عَلَى الْمُصَدِّقِ، فَلَا يَكُونُ إلا صفة لما كَانَ الْمُصَدِّقُ صِفَةً لَهُ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ الأمر كما قال مجاهد لقيل: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ، يعني من غير عطف «٣».
وقوله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ أَيْ فَاحْكُمْ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَ النَّاسِ، عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، أُمِّيِّهِمْ وَكِتَابَيِّهِمْ، بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ، وَبِمَا قَرَّرَهُ لَكَ مِنْ حُكْمِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَنْسَخْهُ فِي شَرْعِكَ، هَكَذَا وَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» بِمَعْنَاهُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، فَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِهِمْ، فَنَزَلَتْ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ

(١) تفسير الطبري ٤/ ٦٠٦.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٦٠٨.
(٣) أضاف ابن جرير موضحا: لأنه لم يتقدم من صفة (الكاف) التي في (إليك) بعدها شيء يكون (مهيمنا عليه) عطفا عليه، وإنما عطف به على (المصدق) لأنه من صفة (الكتاب) الذي من صفته (المصدق).
(٤) تفسير الطبري ٤/ ٦٠٩.

صفحة رقم 116

فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا.
وَقَوْلُهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ أَيْ آرَاءَهُمُ الَّتِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَتَرَكُوا بِسَبَبِهَا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رسله، ولهذا قال تعالى: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ أَيْ لَا تَنْصَرِفْ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَمَرَكَ الله به إلى أهواء هؤلاء الجهلة الأشقياء. وقوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً قَالَ: سَبِيلًا. وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابن عباس وَمِنْهاجاً قال: وسنة، كذا رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً سَبِيلًا وَسُنَّةً، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً أي سبيلا وسنة، وعن ابن عباس أيضا ومجاهد، أي وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَكْسُهُ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً أَيْ سُنَّةً وَسَبِيلًا، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ، فَإِنَّ الشِّرْعَةَ وَهِيَ الشَّرِيعَةُ أَيْضًا هِيَ مَا يُبْتَدَأُ فِيهِ إِلَى الشَّيْءِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: شَرَعَ فِي كَذَا، أَيِ ابْتَدَأَ فيه، وكذا الشريعة وهي ما يشرع فيها إِلَى الْمَاءِ. أَمَّا الْمِنْهَاجُ فَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ السَّهْلُ، وَالسُّنَنُ الطَّرَائِقُ.
فَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: شِرْعَةً وَمِنْهاجاً بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ أَظْهَرُ فِي الْمُنَاسَبَةِ مِنَ الْعَكْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَدْيَانِ، بِاعْتِبَارِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ الْكِرَامَ مِنَ الشَّرَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَّفِقَةِ فِي التَّوْحِيدِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، دِينُنَا وَاحِدٌ» «١» يَعْنِي بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ كُلَّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ وَضَمَّنَهُ كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٥] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦] الآية، وَأَمَّا الشَّرَائِعُ فَمُخْتَلِفَةٌ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ حَرَامًا، ثُمَّ يَحِلُّ فِي الشَّرِيعَةِ الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ، وَخَفِيفًا فَيُزَادُ فِي الشِّدَّةِ فِي هَذِهِ دُونَ هَذِهِ، وَذَلِكَ لِمَا لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ، وَالْحُجَّةِ الدَّامِغَةِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلَهُ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً يَقُولُ: سَبِيلًا وَسُنَّةً، وَالسُّنَنُ مُخْتَلِفَةٌ، هِيَ فِي التَّوْرَاةِ شَرِيعَةٌ، وَفِي الْإِنْجِيلِ شَرِيعَةٌ، وَفِي الْفُرْقَانِ شَرِيعَةٌ، يُحِلُّ اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ، لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، وَالدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ غَيْرَهُ، التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام.

(١) صحيح البخاري (أنبياء باب ٤٨).

صفحة رقم 117

وقيل: المخاطب بهذه الآية هَذِهِ الْأُمَّةُ وَمَعْنَاهُ لِكُلٍّ جَعَلْنَا الْقُرْآنَ مِنْكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، أَيْ هُوَ لَكُمْ كُلِّكُمْ تَقْتَدُونَ بِهِ، وَحُذِفَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ أَيْ جَعَلْنَاهُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، أَيْ سَبِيلًا إِلَى الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ، وَسُنَّةً أَيْ طَرِيقًا وَمَسْلَكًا وَاضِحًا بَيِّنًا، هَذَا مَضْمُونُ مَا حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» عَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَيَدُلُّ على ذلك قوله تعالى بعده وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً فَلَوْ كَانَ هَذَا خِطَابًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، لَمَا صَحَّ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَهْمُ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ وَإِخْبَارٌ عَنْ قُدْرَتِهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ، الَّتِي لَوْ شَاءَ لَجَمَعَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَشَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا يُنْسَخُ شَيْءٌ منها، ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ نَسَخَهَا أَوْ بَعْضَهَا بِرِسَالَةِ الْآخَرِ الَّذِي بَعْدَهُ، حَتَّى نَسَخَ الْجَمِيعَ بِمَا بَعَثَ بِهِ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي ابْتَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَعَ الشَّرَائِعَ مُخْتَلِفَةً لِيَخْتَبِرَ عِبَادَهُ فِيمَا شَرَعَ لَهُمْ وَيُثِيبَهُمْ أَوْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ بِمَا فَعَلُوهُ أَوْ عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ فِي مَا آتاكُمْ
يَعْنِي مِنَ الْكِتَابِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَدَبَهُمْ إِلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ وَالْمُبَادِرَةِ إِلَيْهَا، فَقَالَ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ وَهِيَ طَاعَةُ اللَّهِ وَاتِّبَاعُ شَرْعِهِ الَّذِي جَعَلَهُ نَاسِخًا لِمَا قَبِلَهُ، وَالتَّصْدِيقُ بِكِتَابِهِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ آخِرُ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ أَيْ مَعَادُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَمَصِيرُكُمْ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ أَيْ فَيُخْبِرُكُمْ بِمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَيَجْزِي الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، وَيُعَذِّبُ الْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ الْعَادِلِينَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، بَلْ هُمْ مُعَانِدُونَ لِلْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ، وَالْحُجَجِ الْبَالِغَةِ وَالْأَدِلَّةِ الدَّامِغَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأول أظهر. وَقَوْلُهُ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ تَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الأمر بذلك النهي عن خلافه.
ثم قال وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ أي واحذر أَعْدَاءَكَ الْيَهُودَ أَنْ يُدَلِّسُوا عَلَيْكَ الْحَقَّ فِيمَا ينهونه إليك من أمور، فَلَا تَغْتَرَّ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَذَبَةٌ كَفَرَةٌ خَوَنَةٌ، فَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ عَمَّا تَحْكُمُ بِهِ بَيْنَهُمْ مِنَ الْحَقِّ وَخَالَفُوا شَرْعَ اللَّهِ، فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ أَيْ فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ فِيهِمْ أَنْ يَصْرِفَهُمْ عَنِ الْهُدَى لِمَا لهم مِنَ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ إِضْلَالَهُمْ وَنَكَالَهُمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ أي إن أَكْثَرُ النَّاسِ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ مُخَالِفُونَ للحق ناكبون عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يُوسُفَ: ١٠٣]. وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

(١) تفسير الطبري ٤/ ٦١٠.

صفحة رقم 118

[الأنعام: ١١٦] الآية.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ «١» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَابْنُ صَلُوبَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا «٢» وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ، وَأَشْرَافُهُمْ، وَسَادَاتُهُمْ، وَإِنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَنَا يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفُونَا، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا خُصُومَةً فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ، وَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ إِلَى قَوْلِهِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَوْلُهُ تعالى: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ يُنْكِرُ تَعَالَى عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ الْمُحْكَمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، النَّاهِي عَنْ كُلِّ شَرٍّ وَعَدْلٍ إِلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا الرِّجَالُ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنْ شَرِيعَةِ اللَّهِ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْكُمُونَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَاتِ وَالْجَهَالَاتِ مِمَّا يَضَعُونَهَا بِآرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَكَمَا يَحْكُمُ بِهِ التَّتَارُ مِنَ السِّيَاسَاتِ الْمَلَكِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانَ الَّذِي وَضَعَ لَهُمُ الياسق «٣»، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كِتَابٍ مَجْمُوعٍ مِنْ أَحْكَامٍ قد اقتبسها من شَرَائِعَ شَتَّى: مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وغيرها، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ أَخَذَهَا مِنْ مُجَرَّدِ نظره وهواه، فصارت في بينه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ يَجِبُ قِتَالُهُ حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فَلَا يَحْكُمُ سِوَاهُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، قال تَعَالَى: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ أَيْ يَبْتَغُونَ وَيُرِيدُونَ، وَعَنْ حُكْمِ اللَّهِ يَعْدِلُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أَيْ وَمَنْ أَعْدَلُ مِنَ اللَّهِ فِي حُكْمِهِ لِمَنْ عَقَلَ عَنِ الله شرعه، وآمن به، وأيقن وعلم أن الله أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ بِخُلُقِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْعَادِلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٦٧ وتفسير الطبري ٤/ ٦١٤.
(٢) سقط من في رواية الطبري.
(٣) وتسمى أيضا «الياسة». وهي كلمة مفعولية تعني السياسة. قال القلقشندي: وهي قوانين خمنها جنكرخان من عقله وقررها من ذهنه، رتب فيها أحكاما وحدد فيها حدودا بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثرها فحالف لذلك سماها الياسة الكبرى. وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارت عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته (صبح الأعشى ٤/ ٣١٤). وذكر القلقشندي شيئا في أحكام الياسة. ويشار إلى أن هولاكو وخلفاءه كانوا يميلون في بداية الأمر إلى البوذية، ولكن هؤلاء الخلفاء بعد ولاية غازان سنة ٦٩٠ هـ دخلوا في الإسلام وتراوح المذهب الذي يجاهرون به بين السنية والشيعية (انظر دائرة المعارف الإسلامية ١٢/ ٣٩٨).

صفحة رقم 119
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية