آيات من القرآن الكريم

لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

سيدنا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وسورة المائدة كان أكهثرها نزلت في مخاطبة أهل الكتاب؛ لأنه يقول في غير موضع: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ) و (يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) يدعوهم إلى الإيمان بالرسل، ونزل سورة الأنعام في مخاطبة أهل الشرك؛ لأن فيها دعاء إلى التوحيد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ): يحتمل وجهين:
يحتمل: (بِالْحَقِّ) على ما نزل.
ويحتمل: (بِالْحَقِّ) المعلوم المعروف على ما كانوا؛ ليعلموا أنه باللَّه علم، وأنه علم سماوي.
وقوله - عز وجل -: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ): هذا يحتمل وجهين:
يحتمل: إنما يتقبل اللَّه قربان من اتقى الشرك، لا يتقبل قربان من لم يتق، وإلى هذا يذهب الحسن، وقال: كانا رجلين من بني إسرائيل: أحدهما مؤمن، والآخر منافق، فتنازعا في شيء فقربا ليعلم المحق منهما، فتقبل من المؤمن ولم يتقبل من الآخر.
وقال أبو بكر الأصم: كانا رجلين مصدقين؛ لأن الكافر لا يقرب القربان، لكن أحدهما كان أتقى قلبًا فتقبل قربانه، والآخر لا فلم يتقبل قربانه، والتقوى شرط في قبول القرابين وغيرها من القرب؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، وقوله: والكافر لا يقرب القربان، يقال: قد يقرب لما يدعي من الدِّين أن الذي هو عليه حق؛ ليظهر المحق منهم؛ ألا ترى أنهم يَدَّعُون أن فيهم من هو أحق بالرسالة من محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بقولهم: (لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، وغير ذلك من أباطيل قالوها، وباللَّه التوفيق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ... (٢٨)
قال بعض الناس: إن الواجب علينا أن نفعل مثل فعل أُولَئِكَ، لا ينبغي لمن أراد أحد قتله أن يقتله، ولكن يمتنع عن ذلك على ما امتنع أحد ابني آدم؛ حيث قال له: (لَأَقْتُلَنَّكَ)، فقال له الآخر: (مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ)، واحتجوا في ذلك

صفحة رقم 497

بأخبار رويت: روي عن أبي موسى الأشعري، كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إِذَا تَوَاجَهَ المُسْلِمَانِ بِسَيفَيهِمَا قَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَهُمَا فِي النَّارِ "، فقيل: يا رسول اللَّه، أرأيت المقتول؟! فقال: " إِنَهُ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ صَاحِبَهُ ".
وعن سعد بن مالك قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ عَبدًا للَّهِ، وَلَا تقْتُل أَحَدًا مِنْ أَهْلِ القِبلَةِ فَافْعَلْ ".
وعن الحسن - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ ابْنَي آدَمَ ضَرَبَا لِهَذِهِ الأُمةِ مَثلاً، فَخُذُوا بِالْخَير مِنْهُمَا ".
وعن أبي ذر - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " كَيفَ يَا أَبَا ذَرِّ إِذَا كَانَتْ بِالمَدِينَةِ قَتْل بغَيرِ حِجَارَةٍ؟ " قال: قلت: ألبس سلاحي، قال: " شَارَكْتَ الْقَومَ إِذَنْ " قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه؟ قال: " إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبهَرَكَ شُعَاعُ السيفِ فَأَلْقِ نَاحِيَةَ ثَوْبِكَ عَلَى وَجْهِكَ، يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ " يحتجون بمثل هذه الأخبار.
وقال آخرون: له أن يقاتل إذا لم يتعظ صاحبه باللَّه، وأراد قتله، فهو في سعة من قتل من يريد أن يبتدئه بالقتل؛ استدلالاً بما أمر اللَّه - تعالى - بقتال أهل البغي؛ كقوله - تعالى -: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) فصار الحكم في أمتنا ما أمرهم اللَّه به من قتال البغاة؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، على أن قتال المشركين كان محظورًا في أول مبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقبل ذلك بأوقات، وقالوا: فغير منكر أن يكون الوقت الذي ذكره اللَّه في هذه الآية كان قتال المشركين وتجريد السيف فيه محظورًا، فأذن اللَّه في قتالهم وقتال أهل البغي، فصار الحكم في أمتنا ما أمر اللَّه به من قتال البغاة والمشركين، واللَّه أعلم.
وأما ما احتجوا به من الأخبار التي رويت من اقتتال المسلمين وأشباهها: فإن ذلك، -

صفحة رقم 498
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية