اى بتيسيره وإرادته وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ اى طريق هو اقرب الطرق الى الله تعالى ومؤد اليه لا محالة وهذه الهداية عين الهداية الى سبل السلام وانما عطف عليها تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما فى قوله تعالى وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ. واعلم ان الله تعالى بعث النبي ﷺ نورا يبين حقيقة حظ الإنسان من الله تعالى وانه تعالى سمى نفسه نورا بقوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لانهما كانتا مخفيتين فى ظلمة العدم فالله تعالى اظهرهما بالإيجاد وسمى الرسول نورا لان أول شىء أظهره الحق بنور قدرته من ظلمة العدم كان نور محمد ﷺ كما قال (أول ما خلق الله نورى) ثم خلق العالم بما فيه من نوره بعضه من بعض فلما ظهرت الموجودات من وجود نوره سماه نورا وكل ما كان اقرب الى الاختراع كان اولى باسم النور كما ان عالم الأرواح اقرب الى الاختراع من عالم الأجسام فلذلك سمى عالم الأنوار والعلويات نورانيا بالنسبة الى السفليات فاقرب الموجودات الى الاختراع لما كان نور النبي عليه السلام كان اولى باسم النور ولهذا كان يقول (انا من الله والمؤمنون منى) وقال تعالى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ- وروى- عن النبي عليه السلام انه قال (كنت نورا بين يدى ربى قبل خلق آدم باربعة عشر ألف عام وكان يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم القى ذلك النور فى صلبه) وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي ﷺ انه قال (لما خلق الله آدم اهبطنى فى صلبه الى الأرض وجعلنى فى صلب نوح فى السفينة وقذفنى فى صلب ابراهيم ثم لم يزل تعالى ينقلنى من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط) قال العرفي فى قصيدته النعتية
اين بس شرف گوهر تو منشى تقدير
آن روز كه بگذاشتى إقليم قدم را
تا حكم نزول تو درين دار نوشته است
صدره بعبث باز تراشيد قلم را
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قال قال رسول الله ﷺ (لما اعترف آدم بالخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمد ان تغفر لى فقال الله يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعرفت انك لم تضف الى اسمك الا اسم أحب الخلق إليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الى فغفرت لك ولولا محمد لما خلقتك) رواه البيهقي فى دلائله لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ لا غير كما يقال الكرم هو التقوى نزلت فى نصارى نجران وهم اليعقوبية القائلون بانه تعالى قد يحل فى بدن انسان معين او فى روحه قُلْ يا محمد تبكيتا لهم ان كان الأمر كما تزعمون فَمَنْ استفهامية انكارية يَمْلِكُ الملك الضبط والحفظ التام عن حزم اى يمنع مِنَ اللَّهِ اى من قدرته وإرادته شَيْئاً وحقيقته فمن يستطيع ان يمسك شيأ منها إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً احتج بذلك على فساد قولهم وتقريره ان المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الالوهية وكيف يكون آلها من لا يقدر على دفع الهلاك
صفحة رقم 370
عن نفسه ولا عن غيره والمراد بالإهلاك الامانة والاعدام مطلقا لا بطريق السخط والغضب ولعل نظم امه فى سلك من فرض ارادة إهلاكهم مع تحقق هلاكها قبل ذلك لتأكيد التبكيت وزيادة تقرير مضمون الكلام بجعل حالها أنموذجا لحال بقية من فرض إهلاكه كأنه قيل قل فمن يملك من الله شيأ ان أراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن فى الأرض وقد أهلك امه فهل مانعه أحد فكذا حال من عداها من الموجودين وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما اى ما بين قطرى العالم الجسماني لا بين وجه الأرض ومقعر فلك القمر فقط فيناول ما فى السموات من الملائكة وما فى اعماق الأرض والبحار من المخلوقات وهو تنصيص على كون الكل تحت قهره تعالى وملكوته اثر الاشارة الى كون البعض اى من فى الأرض كذلك اى له تعالى وحده ملك جميع الموجودات والتصرف المطلق فيها إيجادا واعداما واحياء واماتة لا لاحد سواه استقلالا ولا اشتراكا فهو تحقيق لاختصاص الالوهية به تعالى اثر بيان انتفائها عن كل ما سواه يَخْلُقُ ما يَشاءُ اى يخلق ما يشاء من انواع الخلق والإيجاد على ان ما نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية لا على المفعولية كأنه قيل يخلق أي خلق يشاؤه فتارة يخلق من غير اصل كخلق السموات والأرض واخرى من اصل كخلق ما بينهما فينشئ من اصل ليس من جنس كخلق آدم وكثير من الحيوانات ومن اصل يجانسه اما من ذكر وحده كخلق حواء او أنثى وحدها كخلق عيسى او منهما كخلق سائر الناس ويخلق بلا توسط شىء من المخلوقات كخلق عامة المخلوقات وقد يخلق بتوسط مخلوق آخر كخلق الطير على يد عيسى معجزة له واحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك فينسب كل اليه تعالى لا الى من اجرى ذلك على يده وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله: وفى المثنوى
دامن او گير اى يار دلير
كو منزه باشد از بالا وزير «١»
نى چوعيسى سوى گردون بر شود
نى چوقارون در زمين اندر رود
ربى الاعلاست ورد آن مهان
رب ادنى در خور اين ابلهان «٢»
وعن عبادة من الصامت رضى الله عنه عن النبي عليه السلام قال (من شهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من عمل) وعن الحارث الأشعري رضى الله عنه ان رسول الله ﷺ قال (ان الله تعالى اوحى الى يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات ان يعمل بهن ويأمر بنى إسرائيل ان يعملوا بهن فكأنه ابطأ بهن فاتاه عيسى فقال ان الله أمرك بخمس كلمات ان تعمل بهن وتأمر بنى إسرائيل ان يعملوا بهن فاما ان تخبرهم واما ان أخبرهم فقال يا أخي لا تفعل فانى أخاف ان سبقتنى بهن ان يخسف بي او أعذب قال فجمع بنى إسرائيل ببيت المقدس حتى امتلأ المسجد وقعدوا على الشرفات ثم خطبهم فقال ان الله اوحى الى بخمس كلمات ان اعمل بهن وآمر بنى إسرائيل ان يعملوا بهن. اولاهن ان لا تشركوا بالله شيأ فان مثل من أشرك بالله
(١) در أوائل دفتر سوم در بيان جمع آمدن اهل آفت هر صباحى بر در صومعه عيسى عليه السلام.
(٢) در اواسط دفتر سوم در بيان آنكه حق تعالى ملوك را سبب مسخر كردن جباران إلخ
صفحة رقم 371
وليست المحبة بالدعوى بل لها علامات ولله در من قال
تعصى الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمرى فى الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته
ان المحب لمن يحب مطيع
والله تعالى لا يحب من خالف شيأ من شريعة النبي عليه السلام من سننها وفروضها وحلالها وحرامها وانما يحب من أطاع امره ولا فوق بين الناس من حيث الصورة البشرية وانما تفاوتهم من حيث العلم والعمل والتقرب الى الله تعالى: قال السعدي قدس سره
ره راست بايد نه بالاى راست
كه كافر هم از روى صورت چوماست
وانما يظهر التفاوت فى الآخرة لانها دار الجزاء فطوبى لعبد تفكر فى حاله ومصيره فرغب فى الزهد والطاعة قبل مضى الوقت: قال فى المثنوى
گر ببينى ميل خود سوى سما
پر دولت برگشا همچون هما
ور بينى ميل خود سوى زمين
نوحه ميكن هيچ منشين از حنين
عاقلان خود نوحها پيشين كنند
جاهلان آخر بسر بر مى زنند
ز ابتداء كار آخر را ببين
تا نباشى تو پشيمان روز دين
- وحكى- ان رجلا جاء الى صائغ يسأل منه الميزان ليزن رضاض ذهب له فقال الصائغ اذهب فانه ليس لى غربال فقال الرجل لا تسخر بي آت الميزان فقال الصائغ ليس لى مكنسة ثم قال اطلب منك الميزان ايها الصائغ وأنت تجيبنى بما يضحك منه فقال انما قلت ما قلت لانك شيخ مرتعش فعند الوزن يتفرق رضاضك من يدك بسبب ارتعاشك ويسقط الى التراب فتحتاج الى المكنسة والغربال للتخليص فبسبب فكرى لعاقبة أمرك قلت ما قلت
من ز أول ديدم آخر را تمام
جاى ديگر رو ازينجا والسلام
واعلم ان أحباء الله هم اولياء الله على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم. فمنهم عوام. ومنهم خواص. ومنهم أخص ولكل منهم مقام معلوم من المحبة. ورأى بعضهم معروفا الكرخي تحت العرش وقد قال الله تعالى لملائكته من هذا فقالوا أنت اعلم يا رب فقال هذا معروف الكرخي سكر من حبى فلا يليق إلا للقائي وكمال الحب انما يحصل بعد تزكية النفس فان النفس إذا كانت مغضوبة لا تتم الرحمة فى حقها وصاحبها انما يحب الله تعالى من وراء حجاب اللهم اجعلنا ممن يحبك حبا شديدا ويسلك فى محبتك طريقا سديدا يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا حال كونه يُبَيِّنُ لَكُمْ الشرائع والاحكام الدينية المقرونة بالوعد والوعيد عَلى فَتْرَةٍ كائنة مِنَ الرُّسُلِ مبتدأة من جهتهم وعلى متعلق بجاءكم على الظرفية اى جاءكم على حين فتور من الإرسال وانقطاع من الوحى ومزيد احتياج الى بيان الشرائع والاحكام الدينية يقال فتر الشيء يفتر فتورا إذا سكنت حركته وصارت اقل مما كانت عليه وسميت المدة بين الأنبياء فترة لفتور الدواعي فى العمل بتلك الشرائع ونبينا صلى الله تعالى عليه وسلم بعث بعد انقطاع الرسل لان الرسل كانت متواترة بعضها فى اثر بعض الى وقت رفع عيسى عليه السلام أَنْ تَقُولُوا تعليل لمجيئ الرسول بالبيان على حذف
صفحة رقم 373
المضاف اى كراهة ان تقولوا معتذرين عن تفريطكم فى مراعاة احكام الدين ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ يبشرنا بالجنة وَلا نَذِيرٍ يخوفنا بالنار وقد انطمست آثار الشرائع السابقة وانقطعت اخبارها فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ متعلق بمحذوف تنبئ عنه الفاء الفصيحة وتبين انه معلل به اى لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم بشير أي بشير ونذير أي نذير على ان التنوين للتفخيم. وفى الآية امتنان عليهم بان بعث إليهم حين انطمست آثار الوحى وكانوا أحوج ما يكون اليه وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على الإرسال تترى كما فعل بين موسى وعيسى عليهما السلام حيث كان بينهما الف وسبعمائة سنة والف نبى وعلى الإرسال بعد الفترة كما فعله بين عيسى ومحمد عليهما السلام حيث كان بينهما ستمائة سنة وتسع وتسعون سنة او خمسمائة وست وأربعون سنة واربعة أنبياء على ما روى الكلبي ثلاثة من بنى إسرائيل وواحد من العرب خالدين سنان العبسي وقيل لم يكن بعد عيسى الا رسول الله ﷺ وهو الأنسب بما فى تنوين فترة من التفخيم اللائق بمقام الامتنان عليهم بان الرسول قد بعث إليهم عند كمال حاجتهم اليه بسبب مضى دهر طويل بعد انقطاع الوحى ليعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب الى الرحمة وتلزمهم الحجة فلا يتعللوا غدا بانه لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلتهم كذا فى الإرشاد. وفى الحديث (انا اولى الناس بعيسى ابن مريم فانه ليس بينى وبينه نبى) قال ابن الملك بطل بهذا قول من قال الحواريون كانوا أنبياء بعد عيسى عليه السلام انتهى ومعنى قوله نبى اى نبى داع للخلق الى الله وشرعه واما خالدين سنان فان اظهر بدعواه الانباء عن البرزخ الذي بعد الموت وما اظهر نبوته فى الدنيا. وقصته انه كان مع قومه يسكنون بلاد عدن فخرجت نار عظيمة من مغارة فاهلكت الزرع والضرع فالتجأ اليه قومه فاخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه الى المغارة التي خرجت منها ثم قال لاولاده انى ادخل المغارة خلف النار لاطفئها وأمرهم ان يدعوه بعد ثلاثة ايام تامة فانهم ان نادوه قبل ثلاثة ايام فهو يخرج ويموت وان صبروا ثلاثة ايام يخرج سالما فلما دخل صبروا يومين واستفزهم الشيطان فلم يصبروا ثلاثة ايام فظنوا انه هلك فصاحوا به فخرج خالد من المغارة وعلى رأسه ألم حصل
من صياحهم فقال ضيعتمونى وأضعتم قولى ووصيتي وأخبرهم بموته وأمرهم ان يقبروه ويرقبوه أربعين يوما فانه يأتيهم قطيع من الغنم يتقدمه حمار ابتر مقطوع الذنب فاذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه قبره فانه يقوم ويخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن يقين ورؤية فانتظروا أربعين يوما فجاء القطيع وتقدمه حمار ابتر فوقف حذاء قبره فهمّ مؤمنوا قومه ان ينبشوا عليه فابى أولاده خوفا من العار لئلا يقال لهم أولاد المنبوش قبره فحملتهم الحمية الجاهلية على ذلك فضيعوا وصيته وأضاعوه فلما بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جاءته بنت خالد فقال عليه السلام (مرحبا بابنة نبى إضاعة قومه) وانما امر خالد ان ينبش عليه ليسأل ويخبر ان الحكم فى البرزخ على صورة الحياة الدنيا فيعلم بذلك الاخبار صدق الرسل كلهم بما أخبروا به فى حياتهم الدنيا فكان غرض خالد عليه السلام ايمان العالم كله بما جاءت به الرسل من احوال القبر والمواطن والمقامات البرزخية ليكون رحمة