
﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
قال ابن عباس: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان (١) وذلك أن الكُفر يتحير فيه صاحبه كما يتحير في الظلام، وُيهتدى بالإيمان إلى النجاة كما يُهتدى بالنور.
وقوله تعالى: ﴿بِإِذْنِهِ﴾. أي: بتوفيقه وإرادته (٢).
والجار من صلة الاتباع، أي: يتبع رضوانه بإذنه، ولا يجوز أن يتعلق بالهداية، ولا بالإخراج؛ لأنه لا معنى له، فدل على (٣) أنه لا يتبع رضوان الله إلا من أراد الله.
وقوله تعالى: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٦]. قال الحسن: هو الذي يأخذ بصاحبه حتى يؤديه إلى الجنة (٤).
وقال ابن عباس: يعني: الإسلام (٥).
والقولان سواء.
١٧ - قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾. قال أهل المعاني: إنما حكم بكفرهم؛ لأنهم قالوا هذا القول على جهة التدين به، ولو قالوه على جهة الحكاية منكرين له لم يكفروا (٦).
(٢) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ١٦٢، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٣٣، و"زاد المسير" ٢/ ٣١٧.
(٣) في (ش): (فدل هذا على).
(٤) انظر: "تفسير الهواري" ١/ ٤٥٨، وذكر عن الحسن أنه قال: طريق الحق، من "النكت والعيون" ٢/ ٢٢، و"زاد المسير" ٢/ ٣١٧، و"البحر المحيط" ٣/ ٤٤٨.
(٥) لم أقف عليه، وانظر البغوي في "تفسيره" ٣/ ٣٣، و"زاد المسير" ٢/ ٣١٧.
(٦) انظر القرطبي في "تفسيره" ٦/ ١١٩.

فإن قيل: إنهم قالوا: هو ابن الله؟
قيل: هذا القول منهم كالقول إنه إله؛ لأنهم اتخذوه مع قولهم إنه ابن الله ربًا وجعلوه إلهًا (١).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾. قال الكلبي: فمن يقدر أن يدفع من عذاب الله شيئًا (٢).
وهذا من قولهم: ملكت على فلان أمره، إذا اقتدرت عليه حتى لا يمكنه إنفاذ شيء من أمره إلا بك، وتقديره: من يملك من أمره شيئًا (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾.
قال الكلبي: إن أراد أن يعذب المسيح ابن مريم (٤).
ووجه الاحتجاج بهذا على النصارى: أنه لو كان المسيح إلهًا لقدر على دفع أمر الله إذا أتى بإهلاكه وإهلاك غيره (٥).
وفي هذه رد على القدرية، وبيان أنه لو أراد إهلاك النبيين وأهل طاعته أجمعين كان له ذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾.
أراد ما بين هذين الصنفين والنوعين (٦)، كقول الراعي:
(٢) "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ١١٠.
(٣) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ١٦٣، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ١١٩.
(٤) "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ١١٠.
(٥) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ١٦٣، و"تفسير الهواري" ١/ ٤٥٨، و"بحر العلوم" ١/ ٤٢٥، و"زاد المسير" ٢/ ٣١٧.
(٦) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٥٩، ١٦٠، والطبري في "تفسيره" ٦/ ١٦٣، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ١١٩.