
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ الله هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم﴾ يقْرَأ: " يَوْم " بِالرَّفْع على الإبتداء، وَيقْرَأ: " يَوْم " على بِالنّصب، كَأَنَّهُ أَرَادَ فِي يَوْم؛ فَحذف فِي وَنصب يَوْم.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ ينفع الصَّادِقين صدقهم بالقيامة، وَلَيْسَت بدار النَّفْع؟ قيل: مَعْنَاهُ: ينفع الصَّادِقين صدقهم فِي الدُّنْيَا لَا صدقهم فِي الْقِيَامَة، وَقيل: نفعهم بِالصّدقِ فِي الْقِيَامَة: أَنهم لَو كذبُوا؛ نطقت جوارحهم فافتضحوا، فَإِذا صدقُوا لم يفتضحوا ( ﴿لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ ذَلِك الْفَوْز الْعَظِيم﴾ لله ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ على كل شَيْء قدير) وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام
قَالَ - رَضِي الله عَنهُ -: اعْلَم أَن سُورَة الْأَنْعَام مَكِّيَّة، روى يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَالَ: سُورَة الْأَنْعَام نزلت جملَة بِمَكَّة لَيْلًا، مَعهَا سَبْعُونَ ألف ملك يحدونها بالتسبيح. وَقد روى هَذَا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي، وَفِي تَمام الْخَبَر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من قَرَأَهَا فِي لَيْلَة اسْتغْفر لَهُ السبعون ألف ملك أُولَئِكَ ليله ونهاره إِلَى أَن يصبح "، وَفِي بعض الرِّوَايَات: " أَن تِلْكَ الْمَلَائِكَة كَانَ لَهُم زجل بالتسبيح، وَكَانَت الأَرْض ترتج، وَالنَّبِيّ يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم حَتَّى نزلت " وَفِي رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن [أبي] صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام جملَة بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ: قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قل تَعَالَوْا﴾ الْآيَة. وَقَوله: ﴿مَا قدرُوا الله حق قدره﴾ الْآيَة وَفِي بعض الرِّوَايَات: " إِلَّا ثَلَاث آيَات: من قَوْله: ﴿قل تَعَالَوْا﴾ إِلَى آخر الْآيَات الثَّلَاث، وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: سُورَة الْأَنْعَام من نَجَائِب الْقُرْآن، وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام فقد انْتهى فِي رضَا ربه.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا﴾قَوْله - تَعَالَى -: ﴿الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ حُكيَ عَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه قَالَ: هَذِه الْآيَة أول آيَة فِي التَّوْرَاة، وَآخر آيَة فِي التَّوْرَاة: صفحة رقم 86