آيات من القرآن الكريم

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

ودلت الآية كما قال الرازي على جواز إطلاق لفظ العلام على الله، كما جاز إطلاق لفظ الخلاق عليه. أما (العلامة) فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز إطلاقها في حقه، ولعل السبب ما فيه من لفظ التأنيث.
التّذكير بمعجزات عيسى عليه السّلام
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١١٠ الى ١١١]
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١)
الإعراب:
في ضمير فَتَنْفُخُ فِيها وجهان: أحدهما- أن يعود على الهيئة، وهي مصدر في معنى «المهيّأ» لأن النّفخ إنما يكون في المهيأ لا في الهيئة. والثاني- أن يعود على الطير لأنها تؤنث.
ومن قرأ طائرا جاز أن يكون جمعا كالباقر والحامل، فيؤنث الضمير في فِيها لأنه يرجع إلى معنى الجماعة.
المفردات اللغوية:
أَيَّدْتُكَ قويتك. بِرُوحِ الْقُدُسِ جبريل عليه السّلام الذي يؤيّد به الله رسله

صفحة رقم 109

بالتّعليم الإلهي والتّثبيت في مواطن الضّعف التي قد يتعرّض البشر لها. فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا في حالتي الطّفولة والكهولة أو الضعف والقوة. الْكِتابَ كلّ ما يكتب. وَالْحِكْمَةَ العلم النافع. وَالتَّوْراةَ الكتاب الذي أنزله الله على موسى، وفيه الشرائع والأحكام. وَالْإِنْجِيلَ الكتاب الذي أنزله الله على عيسى، وفيه المواعظ والأخلاق.
وَإِذْ تَخْلُقُ تجعل الشيء بمقدار معين بإذن الله وإرادته، ويستعمل الخلق في إيجاد الله الأشياء بتقدير معين في علمه. كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ كصورته، والكاف: اسم بمعنى مثل، مفعول به.
بِإِذْنِي بإرادتي. الْأَكْمَهَ من ولد أعمى، وقد يطلق أيضا على من طرأ له العمى بعد الولادة. الْأَبْرَصَ البرص: بياض بقع في الجسد لعلّة مرضية. وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ حين همّوا بقتلك. إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ المعجزات. سِحْرٌ السّحر: هو تمويه وتخييل، به يرى الإنسان الشيء على غير حقيقته.
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أمرتهم على لسانه، والحواريون، خلصاء عيسى وصحبه المخلصون. أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي أي عيسى.
المناسبة:
كان المقصود من قوله تعالى للرّسل: ماذا أُجِبْتُمْ توبيخ من تمرّد من أممهم، وأشدّ الأمم حاجة إلى التّوبيخ واللّوم: النّصارى الذين ألّهوا عيسى عليه السّلام لأن طعن سائر الأمم كان مقصورا على الأنبياء، وأما النّصارى فتعدّى طعنهم إلى جلال الله وكبريائه حيث وصفوه بما لا يليق بعاقل أن يصف الإله به، وهو اتّخاذ الزّوجة والولد، لذا كانت هذه الآيات مذكّرة بأنواع النّعم على عيسى عليه السّلام، وهي بالتالي معجزات أيّده الله بها لإظهار صدقه، كما أيّد سائر الأنبياء بالمعجزات، والمقصود منه: توبيخ النّصارى وتقريعهم على سوء مقالتهم، فإنّ كلّ واحدة من تلك النّعم تدلّ على أنّ عيسى بشر عبد الله وليس بإله.

صفحة رقم 110

التفسير والبيان:
الآيات تذكير بالنّعم والمعجزات الباهرات وخوارق العادات التي أجراها الله على يدي عيسى عليه السّلام بإرادة قاطعة من الله وحده.
اذكر يا عيسى نعمتي عليك في خلقي إيّاك من أم بلا أب، وجعلي إيّاك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتي على الأشياء.
ونعمتي على والدتك حيث جعلتك لها برهانا على براءتها مما نسبه الظالمون والجاهلون إليها من الفاحشة، إذ أنطقتك في المهد فشهدت ببراءة أمّك.
وأيّدتك بروح القدس وهو في الأصحّ جبريل عليه السّلام، وجعلتك نبيّا داعيا إلى الله في صغرك وكبرك.
وتُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا أي تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك، وتبرّؤ أمك من كلّ عيب وتهمة من الظلمة: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً [مريم ١٩/ ٣٠- ٣١].
وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أي الخط والفهم، فتقرأ الكتب وتفهم ما فيها من العلم النافع لك في الدّين والدّنيا. والحكمة تشمل العلوم النظرية والعلوم العملية. وعلّمتك التّوراة: (وهي المنزلة على موسى بن عمران كليم الله) والإنجيل (وهو ما أوحيته إليك من المواعظ والحكم). وذكر هذان الكتابان بعد ذكر الكتب للتشريف والتعظيم.
وإذ تصنع الطيور، بأن تصوّر من الطّين وتشكّل على هيئة الطائر، بإذني وإرادتي لك في ذلك، ثم تنفخ فيها أي في تلك الصورة التي شكّلتها، فتكون طيرا بإذني لك في ذلك، وهو طائر ذو روح يطير بإذن الله وخلقه، فأنت تفعل التقدير والنفخ والله هو الذي يكوّن الطّير. ولم يكن ذلك مطلقا، وإنما في حالات فردية معدودة لا تقع إلا بإرادة الله.

صفحة رقم 111

وتبرئ الأكمة الذي ولد أعمى، وتشفي الأبرص من المرض الجلدي، وتحيى الموتى، وكل ذلك بإذني وأمري، فأنت تدعوهم من قبورهم، فيقومون أحياء بإذن الله وقدرته وإرادته ومشيئته.
وكففت عنك بني إسرائيل حين جئتهم بالبراهين والحجج القاطعة على نبوّتك ورسالتك من الله، فكذّبوك واتّهموك بأنك ساحر، وهمّوا بقتلك وصلبك، فنجّيتك منهم، ورفعتك إليّ، وكفيتك شرّهم.
وقد عبّر تعالى عن كل تلك النّعم التي امتنّ الله بها على عيسى بصيغة الماضي للدّلالة على وقوعه.
وإذ ألهمت الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي عيسى، فجعلت لك أصحابا وأنصارا، فقالوا: آمنّا بالله وبرسوله، أي ألهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا، واشهد بأنّا مسلمون منقادون لله سرّا وعلانية.
ويلاحظ أن الوحي قد يأتي بمعنى الإلهام كما تقدّم بيانه، كما قال تعالى:
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص ٢٨/ ٧] وهو وحي إلهام بلا خلاف، وكما قال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [النحل ١٦/ ٦٨].
فقه الحياة أو الأحكام:
إن تذكير عيسى بنعمة الله عليه وعلى والدته، وإن كان لهما متذكرا لأمرين: أحدهما- ليتلو على الأمم ما خصّهما به من الكرامة، وميّزهما به من علو المنزلة. والثاني- ليؤكّد به حجّته، ويردّ به جاحده.
ثم عدّد تعالى نعمه على عيسى عليه السّلام وهي ثمان، منها معجزات أيّده الله بها: وهي الكلام في المهد، وخلق الطير، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء

صفحة رقم 112

الموتى، ومنع أذى اليهود عنه، فلم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن شبّه لهم.
والنّعم الثلاث الباقية تستلزمها عادة النّبوة والرّسالة: وهي التّأييد والتّقوية بجبريل روح القدس عليه السّلام، والتّعليم الإلهي بالكتابة والفهم والوحي وإنزال الإنجيل، ومعرفة ما أنزل على من تقدّمه مثل موسى الكليم عليه السّلام، وإلهام الحواريين الإيمان بالله وبعيسى عليه السّلام.
وكلّ هذه المعجزات والآيات البيّنات تدلّ على صدق رسالة عيسى، وكلّها بمراد الله ومشيئته وقدرته.
ولم ينفرد عيسى بالمعجزات الدّالة على صدقه، فهذا هو الشأن المتّبع مع كلّ الأنبياء والرّسل لأن البشر لا يصدّقون عادة بنبوّة النّبي إلا بأشياء خارقة للعادة، وهي المسمّاة بالمعجزات، ولكلّ عصر ما يناسبه من المعجزة، فقد كان عصر عيسى مزدهرا بالطّب والعلوم والمعارف، فأجرى الله على يديه ما يفوق الطّب البشري والمعرفة والثقافة البشرية. وكان زمان موسى فيه السّحر والشّعوذة فأيّده الله تعالى بما يفوق سحر السّحرة، باليد والعصا وفلق البحر وتفجير الماء من الحجر ينابيع هي اثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط (قبائل بني إسرائيل). وزمان النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم اشتهر بالتّفوق البياني في الكلام شعرا ونثرا وخطابة، فأنزل الله عليه القرآن الكريم مشتملا على أرفع البيان وأسمى الفصاحة، وأبلغ البلاغة، فكان إعجاز القرآن البياني معجزة النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أبد الدّهر.
والغرض من إيراد معجزات عيسى عليه السّلام هو كما بيّنت تنبيه النّصارى الذين كانوا في وقت نزول هذه الآية على قبح مقالتهم وركاكة مذهبهم واعتقادهم بتأليه بشر عادي مولود كسائر البشر، يأكل ويشرب ويقضي حاجته كغيره من الناس.

صفحة رقم 113
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية