
وكان في ذلك نوع امتحان لهم: «فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا» أنتم من الحكمة في التأخير «١».
وقوله: «إِنْ شاءَ اللَّهُ» معناه إذ شاء الله كقوله: «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» وقيل. قالها على جهة تنبيههم إلى التأدّب بتقديم المشيئة في خطابهم «٢» وقيل يرجع تقديم المشيئة إلى: إن شاء الله آمنين أو غير آمنين.
وقيل. يرجع تقديم المشيئة إلى دخول كلّهم أو دخول بعضهم فإن الدخول كان بعد سنة، ومات منهم قوم.
قوله جل ذكره:
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٨]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨)
أرسل رسوله محمدا ﷺ بالدين الحنفي، وشريعة الإسلام ليظهره على كل ما هو دين «٣» فما من دين لقوم إلا ومنه في أيدى المسلمين سرّ وللإسلام العزة والغلبة عليه بالحجج والآيات.
وقيل: ليظهره وقت نزول عيسى عليه السلام «٤».
وقيل: فى القيامة حيث يظهر الإسلام على كل الأديان.
وقيل: ليظهره على الدين كله بالحجة والدليل.
قوله جل ذكره:
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٩]
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)
(٢) إشارة إلى قوله تعالى: «وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ».
(٣) أي أن (الدين) فى الآية اسم جنس، أو اسم بمعنى المصدر، ويستوى فيه المفرد والجمع.
(٤) أي عند نزوله لا يبقى على وجه الأرض كافر.

«أَشِدَّاءُ». جمع شديد، أي فيهم صلابة مع الكفار.
«رُحَماءُ». جمع رحيم، وصفهم بالرحمة والتوادّ فيما بينهم.
«... تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً» تراهم راكعين ساجدين يطلبون من الله الفضل والرضوان.
«... سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» أي علامة التخشع التي على الصالحين.
ويقال: هى في القيامة يوم تبيضّ وجوه، وأنهم يكونون غدا محجلين.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» «١» ويقال في التفسير: «مَعَهُ» أبوبكر، و «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ» عمر و «رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» :
عثمان، و «تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً» عليّ رضى الله عنهم «٢» وقيل: الآية عامة في المؤمنين.
«ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ».
هذا مثلهم في التوراة، وأمّا مثلهم في الإنجيل فكزرع «٣» أخرج شطأه أي: فراخه.
(٢) هكذا في م أما في ص فلم يرد ذكر الصحابة رضوان الله عليهم سوى الجزء الأخير الخاص بعلى كرم الله وجهه، وقد يمكن لو تذكرنا ما جاء في هامش ص ٤٢٥- أن نستنبط أن ناسخ ص- الذي هو فارسى الأصل كما قلنا فى مدخل الكتاب- ربما كان شيعيا.
(٣) فعل هذا يجوز الوقف على (التوراة) ثم يستأنف الكلام فيكون هناك مثلان. وقال مجاهد: هو مثل واحد. وعند النسفي: مكتوب في الإنجيل: سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (ح ٤ ص ١٦٤).

يقال: أشطأ الزرع إذا أخرج صغاره على جوانبه. «فَآزَرَهُ» أي عاونه. «فَاسْتَغْلَظَ» أي غلظ واستوى على سوقه وآزرت الصغار الكبار حتى استوى بعضه مع بعض. يعجب هذا الزرع الزرّاع ليغيظ بالمسلمين الكفار شبّه النبي (صلى الله عليه وسلم) بالزرع حين تخرج طاقة واحدة ما ينبت حولها فتشتد، كذلك كان وحده في تقوية دينه بمن حوله من المسلمين.
فمن حمل الآية على الصحابة: فمن أبغضهم دخل في الكفر، لأنه قال: «لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ» أي بأصحابه الكفار. ومن حمله على المسلمين ففيه حجّة على الإجماع، لأنّ من خالف الإجماع- فالله يغايظ به الكفار- فمخالف الإجماع كافر قوله جل ذكره: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً» وعد المؤمنين والمؤمنات مغفرة للذنوب، وأجرا عظيما في الجنة فقوله: «مِنْهُمْ» للجنس أو للذين ختم لهم منهم بالإيمان.

بسم الله الرّحمن الرّحيم [ «بِسْمِ اللَّهِ» : إخبار عن وجود الحقّ بنعت القدم.
«الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» : إخبار عن بقائه بوصف العلاء والكرم.
كاشف الأرواح بقوله: «بِسْمِ اللَّهِ» فهيمّها.
وكاشف النفوس بقوله: «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فتيّمها فالأرواح دهشى في كشف جلاله، والنفوس عطشى إلى لطف جماله].
عبد الكريم القشيري فى بسملة «الشمس»