آيات من القرآن الكريم

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ

قَوْله تَعَالَى: ﴿مُحَمَّد رَسُول الله﴾ هَذِه الْآيَة شَهَادَة من الله تَعَالَى لرَسُوله بِالْحَقِّ وَأَنه رَسُوله حَقِيقَة.
وَقَوله: ﴿وَالَّذين مَعَه﴾ يَعْنِي: أَصْحَابه.
وَقَوله: ﴿أشداء على الْكفَّار﴾ أَي: غِلَاظ شَدَّاد عَلَيْهِم، وَهُوَ فِي معنى قَوْله: ( ﴿أعزة على الْكَافرين﴾ رحماء بَينهم) أَي: متوادون ومتواصلون بَينهم، وَهُوَ فِي معنى قَوْله: ﴿أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ﴾.
وَقَوله: ﴿تراهم ركعا سجدا﴾ أَي: راكعين ساجدين.
وَقَوله: ﴿يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا﴾ أَي: الْجنَّة وَالثَّوَاب الْمَوْعُود.
وَقَوله: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ فِي الْقِيَامَة، وَذَلِكَ من آثَار الْوضُوء على مَا قَالَ: " أمتى غر محجلون من آثَار الْوضُوء " فعلى هَذَا يكون (الْمُؤْمِنُونَ) بيض الْوُجُوه من أثر الْوضُوء وَالصَّلَاة. وَقَالَ عِكْرِمَة: من أثر السُّجُود: هُوَ التُّرَاب على الجباه، وَقد كَانُوا يَسْجُدُونَ على التُّرَاب، وَقَالَ الْحسن: هُوَ السمت الْحسن، وَعَن سعيد بن جُبَير: هُوَ الخضوع والتواضع، وَهُوَ رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، وَيُقَال: صفرَة الْوَجْه من سهر اللَّيْل، وَهَذَا قَول مَعْرُوف.
وَقَوله: ﴿ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة﴾ أَي: صفتهمْ فِي التَّوْرَاة.
وَقَوله: ﴿وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل﴾ مِنْهُم من قَالَ: الْوَقْف على قَوْله: ﴿ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة﴾، وَقَوله: ﴿وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل﴾ كَلَام مُبْتَدأ بِمَعْنى: صفتهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع، وَمِنْهُم من قَالَ: الْوَقْف على قَوْله: ﴿فِي الْإِنْجِيل﴾.

صفحة رقم 209

﴿التَّوْرَاة وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما (٢٩) ﴾
وَقَوله: ﴿كزرع﴾ مَعْنَاهُ: هم كزرع.
وَقَوله: ﴿أخرج شطأه﴾ أَي: فِرَاخه. يُقَال: أشطأ الفزرع إِذا فرخ، وَمعنى الْفِرَاخ: هُوَ أَنه ينْبت من الْحبَّة الْوَاحِدَة عشر سنابل وَأَقل وَأكْثر.
وَقَوله: ﴿فآزره﴾ أَي: قواه، وَقُرِئَ: " فأزره " بِغَيْر مد، وَهُوَ بِمَعْنى الأول.
وَقَوله: ﴿فاستغلظ﴾ أَي: استحكم وَاشْتَدَّ وَقَوي.
وَقَوله: ﴿فَاسْتَوَى على سوقه﴾ أَي: انتصب على سَاق.
وَقَوله: ﴿يعجب الزراع﴾ أَي: الحراث. وَهَذَا كُله ضرب مثل النَّبِي وَأَصْحَابه، وَذكر صفتهمْ وَمَا قوى الله بهم النَّبِي وَنَصره بهم.
وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق قَالَ: ﴿وَالَّذين مَعَه﴾ أَبُو بكر ﴿أشداء على الْكفَّار﴾ عمر ﴿رحماء بَينهم﴾ عُثْمَان) ﴿تراهم ركعا سجدا﴾ عَليّ رَضِي الله عَنْهُم ﴿يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا﴾ الْعشْرَة.
وَقَوله: ﴿كزرع﴾ مُحَمَّد ﴿أخرج شطأه﴾ أَبُو بكر ﴿فآزره﴾ بعمر ﴿فاستغلظ﴾ بعثمان ﴿فَاسْتَوَى على سوقه﴾ بعلي رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ، وَهَذَا قَول غَرِيب ذكره النقاش، وَالْمُخْتَار وَالْمَشْهُور هُوَ القَوْل الأول، أَن الْآيَة فِي جَمِيع أَصْحَاب النَّبِي من غير تعْيين، وَعَلِيهِ الْمُفَسِّرُونَ.
وَقَوله: ﴿ليغيظ بهم الْكفَّار﴾ أَي: ليدْخل الغيظ فِي قُلُوبهم.
وَقَوله: ﴿وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما﴾ اخْتلفُوا فِي قَوْله: ﴿مِنْهُم﴾ فَقَالَ قوم: من هَاهُنَا للتجنيس لَا للتَّبْعِيض. قَالَ الزّجاج: هُوَ تَخْلِيص للْجِنْس، وَلَيْسَ المُرَاد بَعضهم؛ لأَنهم كلهم مُؤمنُونَ، وَلَهُم الْمَغْفِرَة وَالْأَجْر الْعَظِيم.

صفحة رقم 210

وَعَن ابْن عُرْوَة قَالَ: كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس فَذكرُوا رجلا (يتبغض) أَصْحَاب رَسُول الله، فَقَالَ مَالك: من أصبح وَفِي قلبه غيظ على أَصْحَاب رَسُول الله فقد أَصَابَته هَذِه الْآيَة، وَهُوَ قَوْله: ﴿ليغيظ بهم الْكفَّار﴾.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى قَوْله: ﴿مِنْهُم﴾ أَي: من ثَبت مِنْهُم على الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح فَلهُ الْمَغْفِرَة وَالْأَجْر الْعَظِيم، أوردهُ النّحاس فِي تَفْسِيره.

صفحة رقم 211

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله﴾
تَفْسِير سُورَة الحجرات
وَهِي مَدَنِيَّة بِاتِّفَاق الْقُرَّاء، وروى (ثَوْبَان) عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَعْطَيْت السَّبع الطول مَكَان التَّوْرَاة، وَأعْطيت المائين مَكَان الْإِنْجِيل، وَأعْطيت المثاني مَكَان الزبُور، وفضلني رَبِّي بالمفصل ".
وَمِنْهُم من قَالَ: الْمفصل من سُورَة مُحَمَّد، وَالْأَكْثَرُونَ على أَن الْمفصل من هَذِه السُّورَة، وَالله أعلم.

صفحة رقم 212
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية