آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

وقال عكرمة: تقاتلوا معه بالسيف (١).
وروى الحجاج بن أرطأة عنه قال: قلت لابن عباس: ما قوله: (وتعزروه)؟ قال: الضرب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسيف (٢).
قوله: ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ قال قتادة: تكرموه وتعظموه وتسودوه (٣).
وقال ابن حيان: تشرفوه وتبجلوه وتجلوه (٤)، كل هذا من ألفاظ المفسرين.
قوله: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ هذه الكناية راجعة إلى اسم الله (٥) في قوله: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ﴾ وكثير من القراء اختاروا الوقف على قوله: وتوقروه (٦) لمخالفة الكناية في: (وتسبحوه) الكناية التي قبلها، والمعنى: وتصَلّوا لله بالغداة والعشي. قاله المقاتلان (٧).
١٠ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ﴾ قال المفسرون: يعني بيعة

(١) أخرج ذلك الطبري في "تفسيره" عن عكرمة ١٣/ ٧٥، ونسبه النحاس في "معاني القرآن" لعكرمة ٦/ ٤٩٩، ونسبه القرطبي ١٦/ ٢٦٦ لابن عباس وعكرمة.
(٢) أخرج الطبري ١٣/ ٧٥ عن عكرمة قال: يقاتلون معه بالسيف، ونسبه القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٦٧ لابن عباس وعكرمة.
(٣) أخرج الطبري ١٣/ ٧٤ عن قتادة في ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ أمر الله بتسويده وتفخيمه.
(٤) لم أقف على هذا القول.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٧٥، "الماوردي" ٥/ ٣١٣، "البغوي" ٧/ ٢٩٩.
(٦) انظر: "المكتفى" للداني ص ٥٢٨، "تفسير البغوي" ٧/ ٢٩٩، القرطبي ١٦/ ٢٦٧، ونقل النحاس عن أبي حاتم وأحمد بن موسى أن التمام عند قوله: ويوقروه. لأنهما قالا المعنى: ويوقروا النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسبحوا الله بكرة وأصيلًا. وخولفا في هذا لأن (ويسبحوه) معطوف على ما قبله قد حذفت منه النون للنصب فكيف يتم الكلام على ما قبله. انظر: "القطع والائتاف" لأبي جعفر النحاس ص٦٧٠.
(٧) "تفسير مقاتل" ٤/ ٧٠.

صفحة رقم 290

الرضوان، وكانت بالحديبية تحت الشجرة، وكان المسلمون يومئذ ألفاً وأربعمائة رجل بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يقاتلوا ولا يفروا (١).
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ لأن تلك البيعة طاعة لله وتقرباً إليه، باعوا أنفسهم من الله تعالى بالجنة كما ذكر في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية [التوبة: ١١١] والعقد كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ قال أكثر المفسرين: يد الله بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير فوق أيديهم بالوفاء والعهد حين بايعوك، وهذا قول ابن عباس ومقاتل (٢) واختيار الفراء (٣) ومعناه: الله أوفى منهم كما قال: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ [التوبة: ١١١].
وقال الكلبي: نعمة الله عليهم فوق ما صنعوا (٤)، واختاره الزجاج فقال: يد الله في المنة بالهداية فوق أيديهم في الطاعة (٥)، أي: إحسان الله تعالى إليهم بأن هداهم للإيمان أبلغ وأتم من إحسانهم إليك بالنصرة والبيعة.

(١) وهذا ثابت في الحديث الصحيح عند مسلم من حديث جابر، انظر: "صحيح مسلم" كتاب: الإمارة باب (١٨) استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة ٢/ ١٤٨٣، وانظر: "الطبري" ١٣/ ٧٦، "البغوي" ٧/ ٢٩٩، "تفسير الوسيط" ٤/ ١٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٦٦.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٧٠، "تفسير البغوي" وقد نسبه لابن عباس ٧/ ٣٠٠، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢٢.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٥.
(٤) ذكر ذلك الثعلبي ١٠/ ١٣٥ ب، البغوي ٧/ ٣٠٠، والقرطبي ١٦/ ٢٦٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢٢.

صفحة رقم 291

وقال ابن كيسان: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم (١)، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء (٢)، والمعنى على هذا: ثق بنصرة الله لك، لا بنصرتهم وإن بايعوك (٣).
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ نَكَثَ﴾ أي: نقض ما عقد من البيعة ﴿فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ أي: يرجع ضرر ذلك النقض عليه، قال ابن عباس: وليس له الجنة (٤)، ﴿وَمَنْ أَوْفَى﴾ أي: ثبت على الوفاء، ﴿بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ من البيعة ﴿فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ يعني: الجنة، قال ابن عباس: والعِظَم لا يوصف (٥).

(١) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٣٥ ب، والقرطبي ١٦/ ٢٦٨، و"الفخر الرازي" ٢٨/ ٧٨، والمؤلف في "الوسيط" ٤/ ١٣٦.
(٢) ذكر الثعلبي رواية ابن عباس بلفظ: يد الله بالوفاء بما وعدهم من الخير فوق أيديهم بالوفاء، انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٣٥ ب.
(٣) ذكر الإمام ابن جرير في "تفسيره" أقوال المؤولين في صفة اليد ورجح مذهب السلف وهو: أنها صفة من صفاته هي يد غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم، انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ٣٠١، وقال البغوي عند تفسير آية المائدة: ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه، وقال جل ذكره: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلتا يديه يمين" والله أعلم بصفاته، على العبد فيها الإيمان والتسليم. وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات: أمروها كما جاءت بلا كيف انظر: "تفسير البغوي" ٣/ ٧٦. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر وجوب الإيمان بصفة اليد وعدم تأويلها ونقل كلام المتقدمين من سلف الأمة قال: ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفوها عن ظاهرها فلو كان التأويل سائغًا لكانوا أسبق إليه لما فيه من إزالة التشبيه ورفع الشبهة انظر: "مجموع الفتاوى" ٥/ ٩٠.
(٤) ذكر ذلك في "الوسيط" عن ابن عباس، انظر ٤/ ١٣٦.
(٥) لم أقف عليه.

صفحة رقم 292
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية