آيات من القرآن الكريم

إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

التعاون مع الرّسول وأصحابه «وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ» الذي هو التعاون لأن فيه رضاهم الذي هو من رضاء الله، ولهذا «فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ» (٢٨) التي زعموا أنها تنفعهم عند الله لأن سيئاتهم هذه محقت ثوابها ومحته فلم تبق له أثرا. قال تعالى «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شك وشبهة ونفاق «أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ» (٢٩) التي في قلوبهم بل يخرجها ويبيّنها ليفضحهم بها «وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ» يا سيد الرّسل «فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ» وعلاماتهم «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» مقصوده ومغزاه وهو صرف الكلام من الصّواب إلى الخطأ وهو مذموم، وصرف الكلام من الخطأ إلى الصواب وهو ممدوح في اللاحن، أي فتكون كلمة اللّحن من الأضداد. قال أنس رضي الله عنه ما خفي على رسول الله ﷺ بعد نزول هذه الآية شيء من أحوال المنافقين، وكانوا يهجنون ويقبحون ويستهزئون به وبأصحابه. قال تعالى «وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ» (٣٠) فيجازيكم بمثلها
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ» بشيء من التكاليف الشّاقة المحتملة الوقوع وغير المحتملة اختبارا وامتحانا «حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ» حقيقة «وَالصَّابِرِينَ» على البلاء «وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» (٣١) فنظهرها للناس ليعلموا كذبكم الذي تتظاهرون به مظهر الصّدق «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ» خالفوه وانشقوا عليه وتفرقوا عنه «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً» بأفعالهم هذه، وإنما يضرون أنفسهم «وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ» (٣٢) يمحقها ويحرمهم ثوابها بحيث يمحوها من صحائف أعمالهم راجع الآية ٣٩ من سورة الرّعد الآتية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (٣٣) مثل هؤلاء المنافقين بالرياء والسّمعة. زعم بعض المؤمنين أن لا يضرهم ذنب مع الإيمان كما لا ينفع عمل مع الشّرك فنزلت هذه الآية، ولا دليل فيها لمن يرى إحباط الطّاعات بالمعاصي، لأن الله تعالى قال فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآية الأخيرة من سورة الزلزلة المارة، ولا حجة فيها لمن لا يرى إبطال النوافل بأنه إذا دخل في صلاة أو حرم تطوعا لا يجوز له إبطاله، لأن السّنة مبينة

صفحة رقم 31

لكتاب الله، وقد ثبت في الصّحيحين أن النّبي صلّى الله عليه وسلم أصبح صائما، فلما رجع إلى البيت وجد حبسا فأكل منه، قالت الفقهاء إذا تلبس بالنفل من صوم أو صلاة أو غيرها فعنّ له أن يفطر فله ذلك وعليه القضاء، وإيجاب القضاء، وإيجاب القضاء لا يخالف الحديث قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ٢٤» حكم هذه الآية عام ولو أنها نزلت في أبي جهل وأضرابه أهل القليب في بدر حينما جاء ذكرهم بأن لهم أعمالا كإطعام الطّعام وصلة الأرحام وغيرها مما يفعله الجاهلية عادة لأن ما قدموه من خير وهم على كفرهم كافأهم الله عليه في الدّنيا ولم يبق لهم برّ ما يلاقون به وجه الله، وأين هؤلاء من لقائه، لأنهم يساقون إلى النّار على وجوههم «فَلا تَهِنُوا» أيها المؤمنون ولا تضعفوا إذا تخلف عنكم المنافقون أو ناوءوكم ليلجئوكم إلى الكف عن أعدائكم «وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ» الصلح. منع الله المؤمنين في هذه الآية أن يطلبوا الصّلح من الكفار لئلا تلحقهم الذلة، وخاطبهم بقوله «وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» عليهم «وَاللَّهُ مَعَكُمْ» بالنصر والغلبة والمعونة «وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ٣٥» لا ينقصها بل يوفّها لكم. هذا وقد أمر الله تعالى في الآية ٦٢ من الأنفال بإجابة طلب الصلح من قبل الأعداء فراجعها لتقف على الفرق بين الطّلبين، وأن ما يفعله الأجانب من طلب الصّلح وهم غالبون ليس هو طلب صلح بمعناه الحقيقي، لأن الغالب لا يطلبه من المغلوب، وإنما هو عبارة عن تكليفهم بالإذعان لشروط شاقة يفرضها الغالب على المغلوب حين اشتداد البأس وإيناس الضّعف منه ليقبلها قسرا عنه وهو راغم أنفه، فلو كان صلحا بمعناه الحقيقي لما كان منهم طلبه عند الضّيق وبلوغ القلوب الحناجر، وإنما هو أشد وقعا من الحرب فيقبلونه وهم كارهون لئلا يقضى عليهم بالاستئصال، أما الصّلح زمن السّلم فلا يكون إلّا عن رضى وطيب نفس، لأن العاقبة مجهولة لدى الفريقين، لذلك فإن كلا منهم يرى الصّلح خيرا بحقه وهذا هو الفرق بين صلح السّلم وصلح الحرب. ثم زهّدهم الله تعالى في الدّنيا بقوله «إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» فلا تغتروا بها «وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا» فتعضدوا إيمانكم وتقووه بالتقوى «يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ» ربكم كاملة

صفحة رقم 32

يوم القيامة «وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ٣٦» لقاء ما يعطيكم من الثواب بل يمنحكم أياما عفوا منه، لأنه تعالى يعلم بأنه «إِنْ يَسْئَلْكُمُوها» بمقابلة ثوابه «فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا» بإعطائها والاجفاء المبالغة في كلّ شيء ومنه إحفاء الشّارب أي المبالغة في قصة وأحفى في المسألة إذا ألح فيها جهده، أي إذا استقصى عليكم بها أجهدكم بطلبها كلها، فلا بد أن تبخلوا، ولهذا جعل زكاة المال ربع عشره كي لا يبخل النّاس بها على فقراء الله فلا يعطوهم شيئا منها «وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ ٣٧» ويظهر عداوتكم وبعضكم للانفاق لشدة محبتكم للمال المفروزة في قلوبهم عند الامتناع من الانفاق والله تعالى لا يريد ذلك منكم ولهذا خفف عليكم القدر الواجب لإنفاقه من أموالكم «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ» أيها المخاطبون الموصوفون «تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» شطرا قليلا من أموالكم في وجوه البر والخير طلبا لمرضاته «فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ» فلا تسمح نفسه بانفاق شيء مما أنعم الله عليه به «وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ» فيكون
وباله عليها، أي من يمسك ماله فلم ينفنه في طرقه المشروعة، ولهذا عدّي الفعل بعن، ولا شك أن البخل خطة ذميمة موجبة للخزي والعار بالدنيا والعذاب والنّار في الآخرة، حتى أن العقلاء حذروا مخالطة البخيل ومشورته، فقالوا لا تدخلن في مشورتك بخيلا فإنه يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر. - راجع الآية ٢٦٥ من البقرة المارة قالوا ولا جبانا فإنه يضعفك عن الإقدام، ولا حريصا فإنه يزين لك الشّره فالبخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظّن بالله، أجارنا الله منها «وَاللَّهُ الْغَنِيُّ» عنا وعن صدقاتنا، وإنما أمرنا بالإنفاق لما فيه من النّفع لنا في الدّنيا والآخرة «وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ» المحتاجون إلى ربكم أيها النّاس في كلّ أحوالكم، فإن فعلتم ما أمركم به نجوتم وكان خيرا لكم «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا» وتعرضوا عن الإنفاق بالكلية وعن طاعة الله ورسوله، فلا تفعلوا ما يأمركم به ولا تجتنبوا ما ينهاكم عنه «يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ» يطيعونه ويأتمرون بأمره وينتهون عما ينهاهم عنه «ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ٢٨» بالبخل وغيره من عدم الامتثال في أمر الجهاد ومخالفة الرّسول فيها يأمركم وينهاكم. أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال

صفحة رقم 33
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية