آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

وقرأ الأعمش: «وأنطاهم تقواهم»، وهي بمعنى أعطاهم، ورواها محمد بن طلحة عن أبيه. وهي في مصحف عبد الله.
وقوله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ يريد المنافقين، والمعنى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ أي هكذا هو الأمر في نفسه وإن كانوا هم في أنفسهم ينتظرون غير ذلك، فإن ما في أنفسهم غير مراعى، لأنه باطل.
وقرأ جمهور الناس: «أن تأتيهم» ف أَنْ بدل من السَّاعَةَ. وقوله تعالى على هذه القراءة.
فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها إخبار مستأنف والفاء عاطفة جملة من الكلام على جملة. وقرأ أهل مكة فيما روى الرؤاسي «إن تأتهم» بكسر الألف وجزم الفعل على الشرط، والفاء في قوله: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها جواب الشرط وليست بعاطفة على القراءة الأولى فثم نحو من معنى الشرط. و: بَغْتَةً معناه: فجأة، وروي عن أبي عمرو «بغتّة» بفتح الغين وشد التاء. وقوله: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها على القراءتين معناه: فينبغي أن يقع الاستعداد والخوف منها لمن جزم ونظر لنفسه. والذي جاء من أشراط الساعة محمد عليه السلام لأنه آخر الأنبياء، فقد بان من أمر الساعة قدر ما، وفي الحديث عنه عليه السلام أنه قال: «أنا من أشراط الساعة وقد بعثت أنا والساعة كهاتين وكفرسي رهان». ويقال شرط وشرط: بسكون الراء وتخفيفها، وأشرط الرجل نفسه: ألزمها أمورا. وقال أوس بن حجر: [الطويل]

فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا
وقوله تعالى: فَأَنَّى لَهُمْ الآية، يحتمل أن يكون المعنى: فَأَنَّى لَهُمْ الخلاص أو النجاة إِذْ جاءَتْهُمُ الذكرى بما كانوا يخبرون به في الدنيا فيكذبون به وجاءهم العذاب مع ذلك. ويحتمل أن يكون المعنى: فأنى لهم ذكراهم وعملهم بحسبها إذا جاءتهم الساعة، وهذا تأويل قتادة، نظيره: وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [سبإ: ٥٢].
وقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ الآية إضراب عن أمر هؤلاء المنافقين وذكر الأهم، والمعنى: دم على علمك، وهذا هو القانون في كل أمر بشيء هو متلبس به، وهذا خطاب للنبي عليه السلام، وكل واحد من الأمة داخل معه فيه. واحتج بهذه الآية من قال من أهل السنة: إن العلم والنظر قبل القول، والإقرار في مسألة أول الواجبات. وبوب البخاري رحمه الله العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى:
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ الآية، وواجب على كل مؤمن أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنها صدقة. وقال الطبري وغيره: مُتَقَلَّبَكُمْ تصرفكم في يقظتكم. وَمَثْواكُمْ منامكم. وقال ابن عباس: مُتَقَلَّبَكُمْ تصرفكم في حياتكم الدنيا. وَمَثْواكُمْ في قبوركم وفي آخرتكم.
قوله عز وجل:
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣)

صفحة رقم 116

هذا ابتداء وصف حال المؤمنين في جدهم في دين الله وحرصهم على ظهوره وحال المنافقين من الكسل والفشل والحرص على فساد دين الله وأهله، وذلك أن المؤمنين كان حرصهم يبعثهم على تمني الظهور وتمني قتال العدو وفضيحة المنافقين ونحو ذلك مما هو ظهور للإسلام، فكانوا يأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ، والله تعالى قد جعل ذلك بآماد مضروبة وأوقات لا تتعدى، فمدح الله المؤمنين بحرصهم. وقولهم: لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ معناه: تتضمن إظهارنا وأمرنا بمجاهدة العدو ونحوه. ثم أخبر تعالى عن حال المنافقين عند نزول أمر القتال.
وقوله: مُحْكَمَةٌ معناه: لا يقع فيها نسخ، وبهذا الوجه خصص السورة بالأحكام، وأما الإحكام الذي هو بمعنى الإتقان، فالقرآن فيه كله سواء. وقال قتادة: كل سورة فيها القتال فهي محكمة، وهو أشد القرآن على المنافقين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أمر استقرأه قتادة من القرآن، وليس من تفسير هذه الآية في شيء.
وفي مصحف ابن مسعود: «سورة محدثة». والمرض الذي في القلوب: استعارة لفساد المعتقد وحقيقة الصحة والمرض في الأجسام، وتستعار للمعاني، ونظر الخائف الموله قريب من نظر الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ، وخسسهم هذا الوصف والتشبيه.
وقوله تعالى: فَأَوْلى لَهُمْ الآية، «أولى» : وزنه أفعل، من وليك الشيء يليك. وقالت فرقة وزنه:
أفلع، وفيه قلب، لأنه مشتق من الويل، والمشهور من استعمال «أولى» : أنك تقول: هذا أولى بك من هذا، أي أحق، وقد تستعمل «أولى» فقط على جهة الحذف والاختصار لما معها من القول، فتقول على جهة الزجر والتوعد: أولى لك يا فلان، وهذه الآية من هذا الباب، ومنه وقوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى [القيامة: ٣٤- ٣٥]، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للحسن: أولى لك. وقالت فرقة من المفسرين: «أولى» رفع بالابتداء. و: طاعَةٌ خبره.
قال القاضي أبو محمد: فهذا هو المشهور من استعمال «أولى».
وقالت فرقة من المفسرين: أولى لَهُمْ ابتداء وخبر، معناه: الزجر والتوعد. ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى قوله: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فقال بعضها، التقدير: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ أمثل، وهذا هو تأويل مجاهد ومذهب الخليل وسيبويه، وحسن الابتداء بالنكرة لأنها مخصصة، ففيها بعض التعريف.
وقال بعضها التقدير: الأمر طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ، أي الأمر المرضي لله تعالى. وقال بعضها التقدير قولهم لك يا محمد على جهة الهزء والخديعة طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فإذا عزم الأمر كرهوه، ونحو هذا من التقدير قاله قتادة. وقال أيضا ما معناه: إن تمام الكلام الذي معناه الزجر والتوعد ب «أولى». وقوله لَهُمْ

صفحة رقم 117
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية