
وقوله (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) يقول تعالى ذكره: فمن أيّ وجه لهؤلاء المكذّبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيَّعوا وفرّطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة، يقول: ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم، لأنه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) يقول: إذا جاءتهم الساعة أنى لهم أن يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا؟.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) قال: أنى لهم أن يتذكروا أو يتوبوا إذا جاءتهم الساعة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) قال: الساعة، لا ينفعهم عند الساعة ذكراهم، والذكرى في موضع رفع بقوله (فَأَنَّى لَهُمْ) لأن تأويل الكلام: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة، ويجوز لك وللخلق عبادته، إلا الله الذي هو خالق الخلق، ومالك كل شيء، يدين له بالربوبية كل ما دونه (وَاسْتَغْفِرْ

لِذَنْبِكَ) وسل ربك غفران سالف ذنوبك وحادثها، وذنوب أهل الإيمان بك من الرجال والنساء (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) يقول: فإن الله يعلم متصرفكم فيما تتصرّفون فيه في يقظتكم من الأعمال، ومثواكم إذا ثويتم في مضاجعكم للنوم ليلا لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهو مجازيكم على جميع ذلك.
وقد حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا إبراهيم بن سليمان، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس، قال: "أكلت مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقلت: غفر الله لك يا رسول الله، فقال رجل من القوم: أستغفر لك يا رسول الله، قال: نَعَمْ وَلَكَ، ثم قرأ (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).