
(٥) (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي ولهم فيها أنواع من الثمار المختلفة الطعوم والروائح والأشكال.
(٦) (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) فهو يرضى عنهم بما أسلفوا من عمل، ويتجاوز عن هفواتهم التي اقترفوها فى الدنيا.
وبعد أن ذكر ما وعد به المتقين من النعيم- ذكر ما أوعد به الكافرين من العذاب الأليم فقال:
(١) (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) أي أم من هو خالد فى الجنة بحسب ما جرى به الوعد كمن هو خالد فى النار كما نطق به الكتاب فى قوله: «وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ» أي ليس هؤلاء كأولئك فليس من هو فى الدرجات العلى، كمن هو فى الدركات السفلى.
(٢) (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) أي وسقوا ماء حارّا لايستساغ، وإذا دنوا منه شوى وجوههم وقطّع أمعاءهم.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)

تفسير المفردات
آنفا: أي قبيل هذا الوقت، مأخوذ من أنف الشيء لما تقدم منه، وأصل ذلك الأنف بمعنى الجارحة ثم سمى به طرف الشيء ومقدمه وأشرفه، آتاهم: أي ألهمهم، بغتة: أي فجأة، والأشراط: العلامات، واحدها شرط (بالسكون والفتح) ومنه أشراط الساعة، قال أبو الأسود الدؤلي:
فإن كنت قد أزمعت بالصّرم بيننا | فقد جعلت أشراط أوله تبدو |
المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال المشركين وبين سوء مغبتهم- أردف هذا بيان أحوال المنافقين الذين كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيسمعون كلامه ولا يعونه تهاونا واستهزاء به، حتى إذا خرجوا من عنده قالوا للواعين من الصحابة: ماذا قال قبل افتراقنا وخروجنا من عنده؟ - وهؤلاء قد طبع الله على قلوبهم، واتبعوا أهواءهم، ومن ثم تشاغلوا عن سماع كلامه وأقبلوا على جمع حطام الدنيا، ثم أعقبه بذكر حال من اهتدوا، وألهمهم ربهم ما يتقون به النار، ثم عنّف أولئك المكذبين وذكر أن عليهم أن يرعووا قبل أن تجىء الساعة التي بدت علاماتها بمبعث محمد صلّى الله عليه وسلم والذكرى لا تنفع حينئذ، ثم أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالثبات على ما هو عليه من وحدانية الله وإصلاح نفسه بالاستغفار من ذنبه، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات، والله هو العليم بمتصرفكم فى الدنيا ومصيركم إلى الجنة أو إلى النار فى الآخرة. صفحة رقم 60

الإيضاح
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً؟) أي ومن الناس منافقون يستمعون فلا يعون ما تقول، ولا يفهمون ما تتلو عليهم من كتاب ربك، تغافلا عما تدعو إليه من الإيمان، حتى إذا خرجوا من عندك قالوا لمن حضر مجلسك من أهل العلم بكتاب الله: ماذا قال محمد قبل أن نفارق مجلسه؟.
وما مقصدهم من ذلك إلا السخرية والاستهزاء بما يقول، وأنه مما لا ينبغى أن يؤبه به، أو يلقى لمثله سمع.
روى مقاتل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله ابن مسعود، استهزاء: ماذا قال محمد آنفا؟ قال ابن عباس:
وقد سئلت فيمن سئل.
ثم بين سبب استهزائهم وتهاونهم بما سمعوا فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أي هؤلاء الذين هذه صفتهم- هم الذين ختم الله على قلوبهم، فلا يهتدون للحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، واتبعوا شهواتهم وما دعتهم إليه أنفسهم، فلا يرجعون إلى حجة ولا برهان.
ثم ذكر سبحانه أضداد هؤلاء بقوله:
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) أي والذين اهتدوا بالإيمان واستماع القرآن زادهم الله بصيرة وعلما وشرح صدورهم، وألهمهم رشدهم، وأعانهم على تقواه.
ثم بيّن أنهم فى غفلة عن النظر والتأمل فى عاقبة أمرهم فقال:
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) أي إنه بعد أن قامت الأدلة على وحدانية الله وصدق نبوّة رسوله وأن البعث حق، وأن الله يهلك

من كذب رسله ويحل بهم الوبال والنكال كما شاهدوا ذلك فيمن حولهم من الأمم التي أهلكها الله لتكذيبها رسلها، ولم يبق منها إلا آثارها، ولم يفدهم كل ذلك شيئا ولم يتعظوا ولم يؤمنوا- فماذا ينتظرون للعظة والاعتبار؟ لا ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة بغتة إذ جاءت علامتها، ولم يبق من الأمور الموجبة للتذكر والعظة للإيمان بالله سوى ذلك.
والخلاصة- إن البراهين قد نصبت، والأدلة قد وضحت على وجوب الإيمان بالله، وصدق رسوله، والبعث والنشور، وهم لم يؤمنوا- فلا يتوقع منهم إيمان بعدئذ إلا حين مجىء الساعة بغتة، وهاهى ذى أشراطها قد ظهرت، ومقدماتها قد بدأت، ولم يأبهوا بها، ولا فكروا فى أمرها، والمراد بيان أنهم بلغوا الغاية فى العناد، والنهاية فى الاستكبار.
ثم أظهر خطأهم، وحكم بأن رأيهم آفن فى تأخيرهم التذكر إلى قيام الساعة، ببيان أن التذكر لا يجدى نفعا حينئذ فقال:
(فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ؟) أي فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة؟
فإن الذكرى لا تنفع حينئذ، ولا تقبل التوبة، ولا ينفع الإيمان.
ونحو الآية قوله: «يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى».
وبعد أن أبان أن الذكرى لا تنفع إذا انقضت هذه الدار التي جعلت للعمل- أمر رسوله بالثبات على ما هو عليه، والاستغفار لأتباعه، فقال:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي إذا علمت سعادة المؤمنين وعذاب الكافرين، فاستمسك بما أنت عليه من موجبات السعادة، واستكمل حظوظ نفسك بالاستغفار من ذنبك (وذنوب الأنبياء أن يتركوا ما هو الأولى بمنصبهم الجليل) وتوجّه بالدعاء والاستغفار لأتباعك من المؤمنين والمؤمنات.
وفى الحديث الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهم