آيات من القرآن الكريم

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ

هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَو حفر مِنْ حُفَرِ النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
. وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُفَسِّرُهُ
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وَنِهَايَةُ حَيَاةِ الْمَرْءِ قَرِيبَةٌ وَإِنْ طَالَ الْعُمُرُ.
وَالْأَشْرَاطُ بِالنِّسْبَةِ لِلصُّورَةِ الْأُولَى: الْحَوَادِثُ الَّتِي أخبر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَقَعُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَأَوَّلُهَا بِعْثَتُهُ لِأَنَّهُ آخِرُ الرُّسُلِ وَشَرِيعَتُهُ آخِرُ الشَّرَائِعِ ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَشْرَاطُهَا الْأَمْرَاضُ وَالشَّيْخُوخَةُ.
فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ.
تَفْرِيعٌ عَلَى فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها. وأنى اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى الْحَالَةِ، وَيُضَمَّنُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ كَثِيرًا وَهُوَ هُنَا اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ كَيْفَ يَحْصُلُ لَهُمُ الذِّكْرَى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ، وَالْمَقْصُودُ: إِنْكَارُ الِانْتِفَاعِ بالذكرى حِينَئِذٍ.
وفَأَنَّى مُبْتَدَأٌ ثَانٍ مُقَدَّمٌ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ الصَّدَارَةُ. وذِكْراهُمْ مُبْتَدَأٌ أَوَّلُ ولَهُمْ خبر عَن فَأَنَّى، وَهَذَا التَّرْكِيبُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [١٣]، وَضَمِيرُ جاءَتْهُمْ عَائِدٌ إِلَى السَّاعَةَ.
[١٩]
[سُورَة مُحَمَّد (٤٧) : آيَة ١٩]
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)
فُرِّعَ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَحَالِ الْكَافِرِينَ وَمِنْ عَوَاقِبِ ذَلِكَ وَوَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ أَنْ أَمَرَ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّبَاتِ عَلَى مَا لَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَعَلَى مَا هُوَ دَأْبُهُ مِنَ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لِذَنْبِهِ وَمِنَ الْحِرْصِ عَلَى نَجَاةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ وَذَلِكَ الدَّأْبِ اسْتِمْطَارُ الْخَيْرَاتِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ

صفحة رقم 104

وَالتَّفْرِيعُ هَذَا مَزِيدُ مُنَاسَبَةٍ لِقَوْلِهِ آنِفًا ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ [مُحَمَّد: ١١] الْآيَةَ.
فَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَاعْلَمْ كِنَايَةٌ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْمَعْلُومِ، وَذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَلَبِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ وَعَلِمَهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً تَقَرَّرَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ فَلَيْسَ الْأَمْرُ بِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ لِطَلَبِ تَحْصِيلِهِ بَلْ لِطَلَبِ الثَّبَاتِ فَهُوَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
[النِّسَاء: ١٣٦]. وَأَمَّا الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ فَهُوَ لِطَلَبِ تَجْدِيدِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ قَدْ علمه النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلُ وَعَمِلَهُ أَوْ هُوَ لِطَلَبِ تَحْصِيلِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ مِنْ قَبْلُ.
وَذِكْرُ الْمُؤْمِناتِ بعد لِلْمُؤْمِنِينَ اهْتِمَامٌ بِهِنَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِلَّا فَإِنَّ الْغَالِبَ اكْتِفَاءُ الْقُرْآنِ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَشُمُولِهِ لِلْمُؤْمِنَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ لِلْعِلْمِ بِعُمُومِ تَكَالِيفِ الشَّرِيعَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ مِنَ التَّكَالِيفِ.
وَمِنَ اللَّطَائِفِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنْ أَمَرَ هُنَا بِالْعِلْمِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ فَضْلِ الْعِلْمِ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ حِينَ بَدَأَ بِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ. وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ «صَحِيحِهِ» بَابَ الْعِلْمِ
قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ.
وَمَا يَسْتَغْفِرُ مِنْهُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ السَّيِّئَاتِ لِعِصْمَتِهِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِغْفَارٌ مِنَ الْغَفَلَاتِ وَنَحْوِهَا، وَتَسْمِيَتُهُ بِالذَّنْبِ فِي الْآيَةِ إِمَّا مُحَاكَاةٌ لِمَا كَانَ يكثر
النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَهُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي)
وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ فِي مَقَامِ التَّوَاضُعِ، وَإِمَّا إِطْلَاقٌ لِاسْمِ الذَّنْبِ عَلَى مَا يَفُوتُ مِنَ الِازْدِيَادِ فِي الْعِبَادَةِ مِثْلُ أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَالْأَكْلِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَا عناه
النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ (١) عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ
_________
(١) يغان، أَي يغام ويغشى. وفسروا ذَلِك بالغفلات عَن الذّكر.

صفحة رقم 105
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية