آيات من القرآن الكريم

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى، عَادِلًا خَالِقًا بِالْحَقِّ مُنَزَّهًا عَنِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ، يَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ دَلَالَةَ حُدُوثِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِيجَادِ ابْتِدَاءً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِعَادَةِ ثَانِيًا.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢٧ الى ٣١]
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا احْتَجَّ بِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَعَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، عَمَّمَ الدَّلِيلَ فَقَالَ: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ/ لِلَّهِ الْقُدْرَةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ سَوَاءً كَانَتْ من السموات أَوْ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، وَثَبَتَ أَنَّ حُصُولَ الْحَيَاةِ فِي هَذِهِ الذَّاتِ مُمْكِنٌ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لَمَا حَصَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَيَلْزَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ كَوْنُهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى إِمْكَانَ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ بِهَذَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ، ذَكَرَ تَفَاصِيلَ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ فَأَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ وَفِيهِ أَبْحَاثٌ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: عَامِلُ النَّصْبِ فِي يَوْمَ تَقُومُ يَخْسَرُ، وَيَوْمَئِذِ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ تَقُومُ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: قَدْ ذَكَرْنَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ وَالصِّحَّةَ كَأَنَّهَا رَأْسُ الْمَالِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا لِطَلَبِ سَعَادَةِ الآخرة يَجْرِي مَجْرَى تَصَرُّفِ التَّاجِرِ فِي رَأْسِ الْمَالِ لِطَلَبِ الرِّبْحِ، وَالْكُفَّارُ قَدْ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا وَجَدُوا مِنْهَا إِلَّا الْحِرْمَانَ وَالْخِذْلَانَ فَكَانَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ نِهَايَةَ الْخُسْرَانِ وَثَانِيهَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً قَالَ اللَّيْثُ الْجُثُوُّ الْجُلُوسُ عَلَى الرُّكَبِ كَمَا يَجْثِي بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ، قَالَ الزَّجَّاجُ وَمِثْلُهُ جَذَا يَجْذُو، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَقُرِئَ جَاذِيَةً، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْجُذُوُّ أَشَدُّ اسْتِيفَازًا مِنَ الْجُثُوِّ، لِأَنَّ الْجَاذِيَ هُوَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ جَاثِيَةٌ مُجْتَمِعَةٌ مُرْتَقِبَةٌ لِمَا يُعْمَلُ بِهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَكُلَّ أُمَّةٍ عَلَى الْإِبْدَالِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، وَقَوْلُهُ إِلى كِتابِهَا أَيْ إِلَى صَحَائِفِ أَعْمَالِهَا، فَاكْتَفَى بِاسْمِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الْكَهْفِ: ٤٩] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنْ قِيلَ الْجُثُوُّ عَلَى الرُّكْبَةِ إِنَّمَا يَلِيقُ بِالْخَائِفِ وَالْمُؤْمِنُونَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قُلْنَا إِنَّ الْمُحِقَّ الْآمِنَ قَدْ يُشَارِكُ الْمُبْطِلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهُ مُحِقًّا.

صفحة رقم 680
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية