والفجار. لأنه خلاف العدل والإنصاف وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ قال الزمخشري:
معطوف على (بالحق) لأن فيه معنى التعليل. أو على معلل محذوف، تقديره، خلق الله السموات والأرض ليدل بها على قدرته، ولتجزى كل نفس وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي في جزاء أعمالهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أي من ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى، فكأنه يعبده. فجعله إلها تشبيه بليغ أو استعارة. قال القاشاني: الإله المعبود، ولما أطاعوا الهوى فقد عبدوه وجعلوه إلها. إذ كل ما يعبده الإنسان بمحبته وطاعته، فهو إلهه لو كان حجرا! وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ. أي عالما بحاله، من زوال استعداده، وانقلاب وجهه، إلى الجهة السفلية. أو مع كون ذلك العابد للهوى عالما بعلم ما يجب عليه فعله في الدين، على تقدير أن يكون عَلى عِلْمٍ حالا من الضمير المفعول في أَضَلَّهُ اللَّهُ لا من الفاعل. وحينئذ يكون الإخلال لمخالفته علمه بالعمل، وتخلف القدم عن النظر. لتشرب قلبه بمحبة النفس وغلبة الهوى. أو على علم منه غير نافع. لكونه من باب الفضول. ليس فيه إلى الحق سلوك ووصول وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ أي بالطرد عن باب الهدى، والإبعاد عن محل سماع كلام الحق وفهمه، لمكان الرّين وغلظ الحجاب، فلا يعقل منه شيئا وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً أي عن رؤية حجج الله وآياته فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي فمن يوفقه لإصابة الحق بعد إضلال الله إياه أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أي ما الحياة أو الحال غير حياتنا هذه التي نحن فيها نَمُوتُ أي بالموت البدني الطبيعي، وَنَحْيا أي الحياة الجسمانية الحسية، لا موت ولا حياة غيرهما وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي مرّ الليالي والأيام وطول العمر وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي: وما يقولون ذلك عن علم ولكن عن ظن وتخمين. وبِذلِكَ إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر، أو إلى إنكار البعث، أو إلى كليهما قال الزمخشري: كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس. وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح
بأمر الله، وكانوا يضيفون كل حادثة وحدث إلى الدهر والزمان. وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان، ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلّم «١»
(لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر)
أي فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر. انتهى.
وقال الخطابي، معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبونها إلى الدهر.
فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها.
وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور. وكان عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا (بؤسا للدهر) و (تبا للدهر). انتهى.
قال ابن كثير: وقد غلط ابن حزم. ومن نحا نحوه من الظاهرية، في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى. أخذا من هذا الحديث. انتهى.
تنبيه:
في هذه الآية ردّ على الدهرية. وهم المعطلة بأن متمسكهم ظن وتخمين. لم يشم رائحة اليقين. وما هذا سبيله، فباب القبول في وجهه مسدود إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس: ٣٦].
قال الشهرستاني في معطلة العرب: فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة، وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني. وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا. إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفلي. وقصر الحياة والموت على تركبها وتحللها.
فالجامع هو الطبع، والمهلك هو الدهر وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. فاستدل عليهم بضرورات فكرية، وآيات فطرية، في كم آية وسورة فقال تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا، ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأعراف: ١٨٤]. أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:
١٨٥]. وقال: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ [النحل: ٤٨]، وقال قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩]. وقال يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة: ٢١]. فثبتت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق. فإنه قادر على الكمال. إبداء وإعادة. انتهى.