آيات من القرآن الكريم

قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

قوله تعالى: ﴿الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ﴾ - إلى قوله - ﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، أي: الذي تجب له العبادة والخضوع والطاعة هو الله الذي سخر لكم البحر لتجري السفن فيه بأمره وبقدرته فتنتفعون بذلك لمتجركم، ومعائشكم، وتصرفكم في البلدان، وتبتغون من فضله فهو الذي يجب له الشكر على نعمه دون غيره.
ثم قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ﴾، أي: سخر لكم أيضاً - أيها الناس - ما في السماوات من شمس وقمر ونجوم وليل ونهار وما في الأرض من دابة وشجر وجبل وغير ذلك لمنافعكم ومصالحكم جميعاً منه، أي: نعمة منه عليكم، فإياه فاحمدوا واشكروا.
وقرئت: " جميعاً منة "، أي من " عليكم بذلك منة).

صفحة رقم 6774

ثم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، أي: إن في تسخير ما تقدم ذكره لمنافع الخلق ومصالحهم لعبراً لقوم يتفكرون في آيات الله تعالى وحججه سبحانه وأدلته فيعتبرون بها وينطقون.
و ﴿جَمِيعاً مِّنْهُ﴾ (وقف جيد).
ومن قرأ " منة " وقف على " جميعاً "، ثم ابتدأ " منة " إن في ذلك "، أي: من عليكم بذلك منة.
ثم قال تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله﴾، أي: قل لهم اغفروا يغفروا. فهو جواب أمر محمول على المعنى.
والمعنى: قل يا محمد للذين صدقوك: اغفروا للذين لا يخافون أيام الله، أي: بأس الله ووقائعه فمن كفر به ونقمه منهم يغفروا.
﴿لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾، أي: ليجزي الله تعالى في الآخرة هؤلاء /

صفحة رقم 6775

الذين يؤذون المؤمنين بما اكتسبوا في الدنيا من أذى المؤمنين (ومن غير) ذلك.
وروي عن عاصم أنه قرأ ﴿لِيَجْزِيَ قَوْماً﴾ بنصب قوم والفعل لما لم يسم فاعله. وهذا بعيد جداً لم يجزه سيبويه ولا جميع البصريين.
وإنما تقديره عنده: ليجزي الجزاء قوماً. فيقيم المصدر مقام ما لم يسم فاعله ويضمره وينصب الاسم المقصود بالمعنى وهو شاذ في النظر والقياس.

صفحة رقم 6776

ولم يجز النحويون: " شُرِبَ الضربُ زيداً " برفع الضرب ونصب زيد، ولو جاز هذا لجازت هذه القراءة ولكن لا يجيزونه إلا في شعر على بعد.
قال ابن عباس: كان النبي ﷺ يعرض عن المشركين إذا آذوه، وكانوا يستهزؤون به ويكذبونه، ثم أمره الله تعالى أن يقاتلهم كافة. فكان هذا من المنسوخ. وعن ابن عباس أيضاً، وهو قول الضحاك: إن الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ

صفحة رقم 6777

شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة، فأراد أن يبطش به فنزلت: ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ - يعني عمر - ﴿يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله﴾، ثم نسخ هذا في " براءة " بالأمر بالقتال والقتل للمشركين، وهو أيضاً قول قتادة، إلا أنه قال: نسخها قوله:
﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٧] وقاله الضحاك.
وعن أبي هريرة أنه قال نسخها قوله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ﴾ [الحج: ٣٩] وقاله الضحاك.
وقيل: معنى " لا يرجون أيام الله ": لا يخافون البعث.
ثم قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ﴾، أي: لخلاص نفسه يعمل، والله تعالى غني عن عمله، إنما عمله له.
﴿وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾، أي: ومن عمل عملاً سيئا فعلى نفسه جنى وفي عطبها

صفحة رقم 6778

سعى، لا يضر الله سبحانه ذلك ولا ينقصه من ملكه. ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ﴾ أيها الناس.
﴿تُرْجَعُونَ﴾، (أي: تردون) في الآخرة فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب والحكم والنبوة﴾، أي: ولقد أعطينا بني إسرائيل التوراة والإنجيل.
﴿والحكم﴾ يعني: الفهم بالكتاب والعلم بما فيه من السنن التي لم تنزل في كتاب. قال مجاهد: " الحكم: اللب ".
وقوله: ﴿والنبوة﴾، أي: وجعلنا منهم الأنبياء والرسل إلى الخلق، فأكثر الأنبياء والرسل من بني إسرائيل.
ثم قال: ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات﴾، يعني: المَنَّ والسَّلْوَى وغير ذلك من المطاعم.
ثم قال تعالى: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين﴾، أي: على عالم زمانهم.
ثم قال: ﴿وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر﴾، أي: وأعطيناهم واضحات من أمرنا بتنزيلنا التوراة عليهم فيها تفصيل كل شيء.
ثم قال: ﴿فَمَا اختلفوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ أي: لم يختلفوا في دينهم إلا من بعد ﴿مَا جَآءَهُمُ العلم﴾، أي: إلا من بعد ما أنزلت عليهم التوراة فاختلفوا

صفحة رقم 6779

للرياسة بعد علمهم بالحق مما اختلفوا فيه فتنافسوا في الدنيا ورياستها فبغوا بغياً فيما بينهم، وتركوا تبيين ما أنزل الله عليهم.
ثم قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة﴾، أي: يحكم (ويفصل بينهم) فيما اختلفوا فيه يوم القيامة، فيعلي المحق على المبطل.
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر فاتبعها﴾، أي: ثم جعلناك يا محمد بعد بني إسرائيل على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا من قبلك من الرسل، فاتبع تلك الشريعة ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾، أي: ولا تتبع ما يدعوك إليه الجاهلون بالله.
قال ابن عباس: ﴿على شَرِيعَةٍ﴾: " على هدى من الأمر وبينة ".
وقال قتادة: " الشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي ".
وقال ابن زيد: الشريعة: الدين، وقرأ ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ [الشورى: ١٣] فنوح أولهم ومحمد آخرهم صلى الله على جميع النبيين وسلم.

صفحة رقم 6780

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله شَيْئاً﴾ أي إن هؤلاء الجاهلين بربهم لن ينفعوك من الله شيئا إن ابتعت أهواءهم وما يدعونك إليه.
ثم قل تعالى: ﴿وَإِنَّ الظالمين بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾، أي: وإن الكافرين بعضهم أنصار بعض وأعوانهم على أهل الإيمان بالله تعالى.
﴿ والله وَلِيُّ المتقين﴾، أي: هو ولي من اتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
ثم قال تعالى: ﴿هذا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾، أي: هذا القرآن بصائر يبصر به من العمى وهو الضلالة، ويهتدي به من جار عن طريق / الحق، وتاه في ميدان الباطل ﴿وَرَحْمَةٌ﴾، أي: وهو رحمة لمن آمن به واتبعه.
(وقوله: ﴿لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، أي هو نور ورشاد ورحمة لمن أيقن أنه من عند الله فآمن به واتبعه).
ثم قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾، أي: أيحسب بالكفار بالله تعالى المكتسبون الكبائر أن يكونوا كالمؤمنين بالله تعالى

صفحة رقم 6781

المجتنبين للكبائر.
ويدل على أن المراد بالمكتسبين السيئات في هذه الآية الكفار قوله: " كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ". فذكر الإيمان مع العمل، ولو كانوا مؤمنين لقال: كالذين عملوا الصالحات ولم يذكر الإيمان.
ثم قال: ﴿سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.
قال مجاهد معناه: إن المؤمن يموت على إيمانه ويبعث على إيمانه والكافر يموت على كفره ويبعث عليه. وقال أبو الدرداء: " يبعث الناس على ما ماتوا عليه ".
هذا معنى قراءة من رفع " سواء " فجعله مبتدأ " ومحياهم " خبر، ومماتهم عطف على " محياهم ".

صفحة رقم 6782

وإنما حَسُنَ الرفع في " سواء " (لأن الفعل) قد استوفى مفعوليه فارتفع " سواء " على الابتداء، كما قيل " سَوَاءُ العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِي ".
وإنما اختير الرفع في " سواء " لأنه اسم في معنى المصدر فلم يحسن جريه على الأول فارتفع بالإبتداء إذ الفعل قد تعدى إلى مفعوليه.
ولو كان في موضع " سواء " مستو لحسن النصب لأنه يجري على الأول، فينصب مع المعرفة على الحال وهذا هو الاختيار عند سيبويه وجميع النحويين.
ويجوز النصب عند سيبويه وغيره كما أجاز: مررت برجل سواءً عليه الخير والشر، فإذا نصبت على الحال، إذ قبله معرفة.
فكما جاز أن يكون صفة للنكرة جاز أن يكون حالاً للمعرفة وهو بعيد، لأن الأسماء التي ليست بجارية على الفعل، الرفع الاختيار فيها عند النحويين إذا رفعت ظاهراً بعدها.

صفحة رقم 6783

وبالنصب قرأ حفص وحمزة والكسائي على الحال من الهاء والميم في " نجعلهم ".
وقرأ الأعمش ﴿سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ﴾ بالنصب في ذلك كله ينصب " سوا " على الحال، وينصب " محياهم ومماتهم " على تقدير في محياهم ومماتهم كأنه يجعله ظرفاً.
ويجوز أن يكون ﴿مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ﴾ بدلا من الهاء والميم في ﴿نَّجْعَلَهُمْ﴾ فيصير المعنى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل محياهم ومماتهم سواء)، أي كمحيى الذين آمنوا ومماتهم.
والوقف على " الصالحات " حسن عند نافع وأبي

صفحة رقم 6784
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية