آيات من القرآن الكريم

فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ
ﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮ

بمعنى: أيقنوا بألفي مدجَّج واعلموا، فوضع الظنّ موضع اليقين، إذ لم يكن المقول لهم ذلك قد عاينوا ألفي مدجج، ولا رأوهم، وإن ما أخبرهم به هذا المخبر، فقال لهم ظنوا العلم بما لم يعاين من فعل القلب، فوضع أحدهما موضع الآخر لتقارب معنييهما في نظائر لما ذكرت يكثر إحصاؤها، كما يتقارب معنى الكلمتين في بعض المعاني، وهما مختلفتا المعنى في أشياء أخر، فتضع العرب إحداهما مكان صاحبتها في الموضع الذي يتقارب معنياهما فيه.
فكذلك قوله (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى) وضعت"إلا" في موضع"بعد" لما نصف من تقارب معنى"إلا"، و"بعد" في هذا الموضع، وكذلك (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ) إنما معناه: بعد الذي سلف منكم في الجاهلية، فأما إذا وجهت"إلا" في هذا الموضع إلى معنى سوى، فإنما هو ترجمة عن المكان، وبيان عنها بما هو أشدّ التباسًا على من أراد علم معناها منها.
وقوله (وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِنْ رَبِّكَ) يقول تعالى ذكره: ووقى هؤلاء المتقين ربهم يومئذ عذاب النار تفضلا يا محمد من ربك عليهم، وإحسانًا منه عليهم بذلك، ولم يعاقبهم بجرم سلف منهم في الدنيا، ولولا تفضله عليهم بصفحه لهم عن العقوبة لهم على ما سلف منهم من ذلك، لم يقهم عذاب الجحيم، ولكن كان ينالهم ويصيبهم ألمه ومكروهه.
وقوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة التي وصفت في هذه الآيات، هو الفوز العظيم: يقول: هو الظفر العظيم بما كانوا يطلبون من إدراكه في الدنيا بأعمالهم وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه، فيما امتحنهم به من الطاعات والفرائض، واجتناب المحارم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ

صفحة رقم 55

يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإنما سهَّلنا قراءة هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد بلسانك، ليتذكر هؤلاء المشركون الذين أرسلناك إليهم بعبره وحُججه، ويتَّعظوا بعظاته، ويتفكَّروا في آياته إذا أنت تتلوه عليهم، فينيبوا إلى طاعة ربهم، ويذعنوا للحقّ عند تبينهموه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) : أي هذا القرآن (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) قال: القرآن، ويسَّرناه: أطلق به لسانه.
وقوله (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فانتظر أنت يا محمد الفتح من ربك، والنصر على هؤلاء المشركين بالله من قومك من قريش، إنهم منتظرون عند أنفسهم قهرك وغلبتك بصدّهم عما أتيتهم به من الحق من أراد قبوله واتباعك عليه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) : أي فانتظر إنهم منتظرون.
آخر تفسير سورة الدخان

صفحة رقم 56
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية