آيات من القرآن الكريم

فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ
ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮ

[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٥١ الى ٥٩]

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥)
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)
تفسير المفردات
فى مقام أمين: أي فى مجلس أمنوا فيه من كل همّ وحزن، سندس: أي ديباج رقيق، إستبرق: أي حرير فيه بريق ولمعان، زوّجناهم: أي قرناهم، بحور عين:
أي بجوار بيض حسان واسعات العيون، يدعون: أي يطلبون، وقاهم: أي حفظهم ارتقب: أي انتظر.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر وعيد الكافرين وما يرونه من الأهوال فى ذلك اليوم- أعقب هذا بوعد المتقين بما يلاقونه فى جنات النعيم من ضروب التكريم فى الملبس والزوجات والمآكل، ثم ببيان أن هذا النعيم أبدىّ خالد لا يعقبه موت ولا تحوّل ولا انتقال، ثم ختم السورة بالمنة على العرب فى نزول القرآن بلغتهم لعلهم يعتبرون ويتعظون به، ثم توعدهم إذا هم كذبوا بما جاء به الرسول بحلول النقمة بهم، والنصر له عليهم، كما هى سنته فى أمثالهم من المكذبين «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي».

صفحة رقم 136

الإيضاح
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) أي إن المتقين لله فى الدنيا الخائفين عقابه، المنتظرين فضله وثوابه- يكونون فى الآخرة فى مجالس يأمنون فيها من الموت ومن كل ما يحزنهم ويصيبهم من الآفات والآلام.
وقد ذكر سبحانه من ضروب نعيمهم خمسة ألوان:
(١) مساكنهم كما قال «فِي مَقامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» والمسكن يطيب بأمرين:
(ا) أن يكون من فيه آمنا من جميع ما يخافه ويحذر منه، وهو المقام الأمين.
(ب) أن يكون فيه أسباب النزهة من الجنات والعيون، وذلك قوله: ِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ».
(٢) ملابسهم، وهى التي عناها سبحانه بقوله:
(يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) وقد تقدم بسط الكلام فى ذلك فى سورة الكهف.
(٣) استئناس بعضهم ببعض بجلوسهم على جهة التقابل، وهو ما أشار إليه بقوله:
(مُتَقابِلِينَ) أي ينظر بعضهم إلى بعض، وهو أتمّ للأنس.
(٤) الأزواج كما قال:
(كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي وهذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحور العين اللاتي لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جانّ.
(٥) المأكول كما قال:
(يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) أي يطلبون ما يشتهون من أنواع الفاكهة، وهم آمنون من انقطاعها، ومن غائلة أذاها ومكروهها، فهى ليست كفاكهة الدنيا التي نأكلها ونخاف مكروه عاقبتها، أو نخاف نفادها فى بعض الأحايين.

صفحة رقم 137

وبعد أن وصف ما هم فيه من نعيم مقيم، بيّن أن حياتهم فى هذا النعيم دائمة لا يلحقها موت ولا فناء فقال:
(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) أي لا يخشون فى الجنة موتا ولا فناء أبدا.
وقد ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يؤتى بالموت فى صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت»
وقد تقدم هذا فى سورة مريم.
وروى أبو هريرة وأبو سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا» رواه مسلم.
وخلاصة ذلك- لا يذوقون فيها الموت، لكن الموتة الأولى قد ذاقوها فى الدنيا كذا قال الزجاج والفرّاء.
(وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي وهم مع هذا النعيم قد نجاهم من العذاب الأليم، فى دركات الجحيم، فأعطاهم ما يطلبون، ونجاهم مما يهزبون.
(فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ) أي نجاهم من ذلك تفضلا منه وإحسانا.
(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك الذي أعطيناه هؤلاء المتقين من الكرامة، هو الفوز العظيم بما كانوا يطلبون إدراكه فى الدنيا، بأعمالهم، وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه، فيما امتحنهم به من الطاعات، واجتنابهم للمحرمات.
ولما أتمّ المقاصد التي أراد ذكرها فى هذه السورة لخصها بقوله:
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي إنما سهلنا إليك قراءة القرآن الذي أنزلناه إليك بلسانك، ليتذكر به قومك ويتعظوا بعظاته، ويتفكروا فى آياته إذا تلوتها عليهم، فينيبوا إلى ربهم، ويذعنوا للحق الذي تبيّنوه.
ولما كان القرآن مع هذا الوضوح والبيان قد خالف فيه بعض الناس وعاند، قال تعالى مسليّا رسوله وواعدا له بالنصر، ومتوعدا من كذبه بالهلاك.

صفحة رقم 138

(فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أي فانتظر فإنهم منتظرون، وسيعلمون لمن تكون النصرة والغلبة، والظفر وعلوّ الكلمة فى الدنيا والآخرة- ولا شك أن النصر سيكون لك كما كان لإخوانك من النبيين والمرسلين ومن تبعهم من المؤمنين كما قال:
«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ».
وقصارى ذلك- ارتقب النصرة من ربك، إن المشركين مرتقبون بك ما يتمنونه من الغوائل، وما يتربصونه بك من الدوائر، ولن يضيرك ذلك بفضل ربك عليك، وسيتم نصرك، ويفلج حجتك، ويعلى كلمتك.
اللهم يا من بيدك الخير، وأنت على كل شىء قدير، وفقنا لإتمام تفسير كتابك، واجعله لنا نورا يوم العرض والحساب.
خلاصة ما تضمنته هذه السورة الكريمة من المقاصد
(١) بيان بدء نزول القرآن.
(٢) وعيد الكافرين بحلول الجدب والقحط بهم.
(٣) عدم إيمانهم مع توالى النكبات بهم.
(٤) عظة الكافرين بقصص فرعون وقومه مع موسى عليه السلام، وقد أنجى الله المؤمنين، وأهلك الكافرين.
(٥) إنكار المشركين للبعث وقولهم: إن هى إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين (٦) إقامة الدليل على نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم.
(٧) وصف أهوال يوم القيامة.
(٨) وصف ما يلاقيه المجرمون من النكال والوبال.
(٩) وصف نعيم المتقين وحصولهم على كل ما يرغبون.

صفحة رقم 139
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية