آيات من القرآن الكريم

فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
ﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮ

وقوله تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ روي عن ابن زيد الْأَثِيمِ المشار إليه: أبو جهل، ثم هي بالمعنى تتناول كل أثيم، وهو كل فاجر يكتسب الإثم، وروي عن ابن زيد أن أبا الدرداء أقرأ أعرابيا فكان يقول: «طعام اليتيم»، فرد عليه أبو الدرداء مرارا فلم يلقن، فقال له: قل «طعام الفاجر»، فقرئت كذلك، وإنما هي على التفسير. و: شَجَرَةَ الزَّقُّومِ هي الشجرة الملعونة في القرآن، وهي تنبت في أصل الجحيم، وهي التي طلعها كأنه رؤوس الشياطين.
وروي أن أبا جهل لما نزلت هذه الآية فيه، وأشار الناس بها إليه، جمع عجوة بزبد ودعا إليها ناسا وقال لهم: «تزقموا، فإن الزقوم هو عجوة يثرب بالزبد، وهو طعامي الذي حدّث به محمد»، وإنما قصد بذلك ضربا من المغالطة والتلبيس على الجهلة.
قوله عز وجل:
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٤٥ الى ٥٩]
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)
إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤)
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)
قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما: «المهل» : دردي الزيت وعكره. وقال ابن مسعود وابن عباس أيضا: «المهل» ما ذاب من ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص ونحوه. قال الحسن: كان ابن مسعود على بيت المال لعمر بالكوفة، فأذاب يوما فضة مكسرة، فلما انماعت، قال: يدخل من بالباب، فدخلوا، فقال لهم: هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمهل. والمعنى أن هذه الشجرة إذا طعمها الكافر في جهنم صارت في جوفه تفعل كما يفعل المهل السخن من الإحراق والإفساد.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: «تغلي» بالتاء على معنى: تغلي الشجرة، وهي قراءة عمرو بن ميمون وأبي رزين والحسن والأعرج وابن محيصن وطلحة. وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص: «يغلي» على معنى: يغلي الطعام، وهي قراءة مجاهد وقتادة والحسن بخلاف عنه. و: الْحَمِيمِ: الماء الساخن الذي يتطاير من غليانه.
وقوله تعالى: خُذُوهُ الآية، معناه: يقال يومئذ للملائكة عن هذا الأثيم خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ.

صفحة رقم 76

والعتل: السّوق بعنف وإهانة ودفع قوي متصل، كما يساق أبدا مرتكب الجرائم، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: بضم التاء، والباقون بكسرها، وقد روي الضم عن أبي عمرو، وكذلك روي الوجهان عن الحسن وقتادة والأعرج.
والسواء: الوسط، وقيل المعظم وذلك متلازم في العظم أبدا من مثل هذا إنما هو في الوسط، وفي الآية ما يقتضي أن الكافر يصب على رأسه من حميم جهنم، وهو ما يغلى فيها من ذوب، وهذا كما في قوله تعالى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج: ١٩] وإلى هذا نظر بعض ولاة المدينة فإنه كان يصب الخمر على رأس الذي شربها أو توجد عنده عقوبة له وأدبا، ذكر ذلك ابن حبيب في الواضحة.
وقوله تعالى: ذُقْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ مخاطبة على معنى هذا التقريع، ويروى عن قتادة أن أبا جهل لما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان: ٤٣- ٤٤] قال أيتهددني محمد وأنا ما بين جبليها أعزمني وأكرم، فنزلت هذه الآيات، وفي آخرها: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي على قولك، وهذا كما قال جرير:

ألم يكن في وسوم قد وسمت بها من خان موعظة يا زهرة اليمن
يقولها للشاعر الذي سمى نفسه به، وذلك في قوله:
أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها أني الأعز وأني زهرة اليمن
فجاء بيت جرير على هذا الهزء.
وقرأ الجمهور: «إنك» بكسر الهمزة. وقرأ الكسائي وحده: «أنك» بفتح الألف، والمعنى واحد في المقصد وإن اختلف المأخذ إليه، وبالفتح قرأها على المنبر الحسين بن علي بن أبي طالب أسنده إليه الكسائي وأتبعه فيها.
وقوله تعالى: إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ عبارة عن قول يقال للكفرة عند عذابهم، أي هذه الآخرة وجهنم التي كنتم تشكون فيها. ثم ذكر تعالى حالة المتقين بعقب ذكر حالة الكافر ليبين الفرق.
وقرأ نافع وابن عامر: «في مقام» بضم الميم، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة وقتادة وعبد الله بن عمر بن الخطاب والحسن والأعرج. وقرأ الباقون: «في مقام» بفتحها، وهي قراءة أبي رجاء وعيسى ويحيى والأعمش.
و: أَمِينٍ يؤمن فيه الغير، فكأنه فعيل بمعنى مفعول، أي مأمون فيه. وكسر عاصم العين من «عيون». قال أبو حاتم: وذلك مردود عند العلماء، ومثله شيوخ وبيوت، بكسر الشين والباء. والسندس:
رقيق الحرير. والإستبرق: خشينه.
وقرأ ابن محيصن: «وإستبرق» بالوصل وفتح القاف.

صفحة رقم 77

وقوله: مُتَقابِلِينَ وصف لمجالس أهل الجنة، لأن بعضهم لا يستدبر بعضا في المجالس، وقوله:
كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ تقديره: والأمر كذلك.
وقرأ الجمهور: «عين» وهو جمع عيناء. وقرأ ابن مسعود: «عيس»، وهو جمع عيساء، وهي أيضا البيضاء، وكذلك هي من النوق. وقرأ عكرمة: «بحور عين» على ترك التنوين في «حور» وأضافها إلى «عين». قال أبو الفتح: الإضافة هنا تفيد ما تفيد الصفة، وروى أبو قرصافة عن النبي ﷺ أنه قال: إخراج القمامة من المسجد من مهور الحور العين.
وقوله تعالى: يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ معناه: يدعون الخدمة والمتصرفين.
وقوله تعالى: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى قدر قوم إِلَّا بسوى، وضعف ذلك الطبري، وقدرها ببعد، وليس تضعيفه بصحيح، بل يصح المعنى بسوى ويتسق، وأما معنى الآية: فبين أنه نفى عنهم ذوق الموت، وأنه لا ينالهم من غير ذلك ما تقدم في الدنيا، والضمير في قوله: يَسَّرْناهُ عائد على القرآن. وقوله:
بِلِسانِكَ معناه بلغة العرب ولم يرد الجارحة.
وقوله: فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ معناه: فَارْتَقِبْ نصرنا لك، إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ فيما يظنون الدوائر عليك، وفي هذه الآية وعد له، ووعيد لهم، وفيها متاركة، وهذا وما جرى منسوخ بآية السيف.

صفحة رقم 78
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية