
أَيْ فِي إِقَامَةٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَيْ فِي مَجْلِسٍ أَمِينٍ، أَمِنُوا فِيهِ مِنَ الْغَيْرِ، أَيْ مِنَ الْمَوْتِ وَمِنَ الخروج منه. ١٢١/ب
﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (٥٣) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩) ﴾
﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ﴾ أَيْ كَمَا أَكْرَمْنَاهُمْ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْجَنَّاتِ وَالْعُيُونِ وَاللِّبَاسِ كَذَلِكَ أَكْرَمْنَاهُمْ بِأَنْ زَوَّجْنَاهُمْ، ﴿بِحُورٍ عِينٍ﴾ أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ، لَيْسَ مَنْ عَقْدِ التَّزْوِيجِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: زَوَّجْتُهُ بِامْرَأَةٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَعَلْنَاهُمْ أَزْوَاجًا لَهُنَّ كَمَا يُزَوِّجُ الْبَعْلُ بِالْبَعْلِ، أَيْ جَعَلْنَاهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَ"الْحُورُ": هُنَّ النِّسَاءُ النَّقِيَّاتُ الْبَيَاضِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: يَحَارُ فِيهِنَّ الطَّرْفُ مِنْ بَيَاضِهِنَّ وَصَفَاءِ لَوْنِهِنَّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "الْحُورُ": هُنَّ شَدِيدَاتُ بَيَاضِ الْأَعْيُنِ الشَّدِيدَاتُ سَوَادِهَا، وَاحِدُهَا أَحْوَرُ، وَالْمَرْأَةُ حَوْرَاءُ، وَ"الْعِينُ" جَمْعُ الْعَيْنَاءِ، وَهِيَ عَظِيمَةُ الْعَيْنَيْنِ.
﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِ فَاكِهَةٍ﴾ اشْتَهَوْهَا، ﴿آمِنِينَ﴾ مِنْ نَفَادِهَا وَمِنْ مَضَرَّتِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: آمَنِينَ مِنَ الْمَوْتِ وَالْأَوْصَابِ وَالشَّيَاطِينِ.
﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ أَيْ سِوَى الْمَوْتَةِ الَّتِي ذَاقُوهَا فِي الدُّنْيَا، وَبَعْدَهَا وَضَعَ: "إِلَّا" مَوْضِعَ سِوَى وَبَعْدَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ" (النِّسَاءِ-٢٢)، أَيْ سِوَى مَا قَدْ سَلَفَ، وَبَعْدَ مَا قَدْ سَلَفَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا اسْتَثْنَى الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَهِيَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَوْتٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ السُّعَدَاءَ حِينَ يَمُوتُونَ يَصِيرُونَ بِلُطْفٍ إِلَى أَسْبَابِ الْجَنَّةِ، يَلْقَوْنَ الرُّوحَ وَالرَّيْحَانَ وَيَرَوْنَ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، فَكَانَ مَوْتُهُمْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لِاتِّصَالِهِمْ بِأَسْبَابِهَا وَمُشَاهَدَتِهِمْ إِيَّاهَا. ﴿وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾.
﴿فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ﴾ أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فَضْلًا مِنْهُ، ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ﴾ سَهَّلْنَا الْقُرْآنَ، كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، ﴿بِلِسَانِكَ﴾ أَيْ عَلَى لِسَانِكَ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يَتَّعِظُونَ.
﴿فَارْتَقِبْ﴾ فَانْتَظِرِ النَّصْرَ مِنْ رَبِّكَ. وَقِيلَ: فَانْتَظِرْ لَهُمُ الْعَذَابَ. ﴿إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ﴾

مُنْتَظِرُونَ قَهْرَكَ بِزَعْمِهِمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشَّرِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ فَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ الْخُتَّلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانِ فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلِكٍ" (١)