آيات من القرآن الكريم

وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ

والنعمة بفتح النون: غضارة العيش ولذاذة الحياة، والنعمة بكسر النون أعم من هذا، لأن النعمة بالفتح هي من جملة النعم بالكسر، وقد تكون الأمراض والآلام والمصائب نعما، ولا يقال فيها نعمة بالفتح. وقرأ أبو رجاء: «ونعمة» بالنصب.
وقرأ جمهور الناس: «فاكهين» بمعنى: ناعمين. والفاكه: الطيب النفس: أو يكون بمعنى أصحاب فاكهة كلابن وتامر. وقرأ أبو رجاء والحسن بخلاف عنه، وابن القعقاع: «فكهين»، ومعناه قريب من الأول، لأن الفكه يستعمل كثيرا في المستخف المستهزئ، فكأنه هنا يقول: كانوا في هذه النعمة مستخفين بشكرها والمعرفة بقدرها.
وقوله: كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها معناه الأمر كذلك، وسماها وراثة من حيث كانت أشياء أناس وصلت إلى قوم آخرين من بعد موت الأولين، وهذه حقيقة الميراث في اللغة وربطها الشرع بالنسب وغيره من أسباب الميراث، والآخرون من ملك مصر بعد القبط. وقال قتادة: القوم الآخرون، هم بنو إسرائيل، وهذا ضعيف، لأنه لم يرو أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان ولا ملكوها قط، إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشام، وقد ذكر الثعلبي عن الحسن أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون.
قوله عز وجل:
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٢٩ الى ٣٦]
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣)
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦)
نفت هذه الآية أن تكون السماء والأرض بكت على قوم فرعون، فاقتضى أن للسماء والأرض بكاء.
واختلف المتأولون في معنى ذلك فقال علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد وابن جبير: إن الرجل المؤمن إذا مات بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحا، وبكى عليه من السماء موضع صعود عمله، قالوا فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله، فهذا معنى الآية. وقال السدي وعطاء: بكاء السماء:
حمرة أطرافها. وقالوا إن السماء احمرت يوم قتل الحسين بن علي، وكان ذلك بكاء عليه، وهذا هو معنى الآية.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى الجيد في الآية أنها استعارة باهية فصيحة تتضمن تحقير أمرهم، وأنهم لم يتغير عن هلاكهم شيء، وهذا نحو قوله تعالى: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ [إبراهيم: ٤٦] على قراءة من قرأ «لتزول» بكسر اللام ونصب الفعل وجعل إِنْ [إبراهيم: ٤٦] نافية، ومثل هذا المعنى قول النبي عليه السلام: «لا ينتطح فيها عنزان» فإنه يتضمن التحقير، لكن هذه الألفاظ هي بحسب ما قيلت فيه،

صفحة رقم 73

وهو قتل المرأة الكافرة التي كانت تؤذي النبي عليه السلام. وعظم قصة فرعون وقومه يجيء بحسبها جمال الوصف وبهاء العبارة في قوله: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ ومن نحو هذا أن يعكس قول جرير:
[الكامل]
لما أتى خبر الزبير تواضعت... سور المدينة والجبال الخشع
فيقال في تحقير: مات فلان فما خشعت الجبال، ونحو هذا، وفي الحديث عن النبي عليه السلام أنه قال: «ما مات مؤمن في غربة غاب عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض»، ثم قرأ هذه الآية، وقال: «إنهما لا يبكيان على كافر». ومن التفخيم ببكاء المخلوقات العظام قول يزيد بن مفرغ [مجزوء الكامل] :
الريح تبكي شجوه... والبرق يلمع في غمامه
وقول الفرزدق:
فالشمس طالعة ليست بكاسفة... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
و: مُنْظَرِينَ معناه: مؤخرين وممهلين.
ثم ذكر تعالى نعمته على بني إسرائيل في إنجائهم من فرعون وقومه، والْعَذابِ الْمُهِينِ هو ذبح الأبناء والتسخير في المهن كالبنيان والحفر وغيره.
وفي قراءة ابن مسعود: «من عذاب المهين»، بسقوط التعريف بالألف واللام من العذاب.
وقوله: مِنْ فِرْعَوْنَ بدل من قوله: مِنَ الْعَذابِ. و: «من» بكسر الميم هي قراءة الجمهور.
وروى قتادة أن ابن عباس كان يقرأها «من» بفتح الميم «فرعون» برفع النون.
وقوله: عَلى عِلْمٍ أي على شيء سبق عندنا فيهم وثبت في علمنا أنه سينفذ. وقوله: عَلَى الْعالَمِينَ يريد على جميع الناس، هذا على التأويل المتقدم في العلم. والمعنى: لقد اخترناها لهذا الإنجاء وهذه النعم على سابق علم لنا فيهم وخصصناهم بذلك دون العالم، ويحتمل قوله: عَلى عِلْمٍ أن يكون معناه: على علم وفضائل فيهم، والمعنى: اخترناهم للنبوءات والرسالات، فيكون قوله: عَلَى الْعالَمِينَ في هذا التأويل، معناه: على عالم زمانهم، وذلك بدليل فضل أمة محمد لهم وعليهم، وأن أمة محمد خير أمة أخرجت للناس.
وقوله تعالى: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ لفظ جامع لمعجزات موسى وللعبر التي ظهرت في قوم فرعون من الجراد والقمل والضفادع وغير ذلك، ولما أنعم به على بني إسرائيل من تظليل الغمام والمن والسلوى وغير ذلك، فإن لفظ الْآياتِ يعم جميع هذا. والبلاء في هذا الموضع: الامتحان والاختبار، وهذا كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: ٣٥] و: مُبِينٌ بمعنى بين.
ثم ذكر تعالى قريشا وحكى عنهم على جهة الإنكار لقولهم حين أنكروا فيه ما هو جائز في العقل

صفحة رقم 74
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية