
من كثرة بكائها فلا تقدر على منع الكواكب من الظهور، ويحتمل أن نجوم الليل مفعول تبكي أي تغلب نجوم الليل في البكاء عليك وقيل روايته هكذا وهم والرواية الشمس كاسفة ليست بطالعة أي لا تطلع أبدا من حينئذ فالأوجه أن نجوم الليل مفعول تبكي وقيل ظرف له أي مدة نجوم إلخ وقيل نجوم مرفوع على الفاعلية والقمر مفعول معه، ونصب عمر مشكل لأنه علم مفرد فكان ينبغي أن يبنى على الضم وفيه وجوه منها أنه أراد يا عمر بن الخطاب أو يا عمر بن عبد العزيز والمنادى المضاف يكون منصوبا ثم قطع الإضافة لانتهاء الوزن ومنها أنه أراد يا عمراه على الندبة وحذف الهاء كما قيل في قوله تعالى: «يا أسفا على يوسف» وقيل غير ذلك مما يطول فيه القول وليس بطائل.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٠ الى ٣٧]
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤)
إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)
اللغة:
(تُبَّعٍ) هو تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند وقيل هدمها كان مؤمنا وكان قومه كافرين ولذلك ذمّهم الله دونه وعبارة أبي حيان: «الظاهر أن تبعا هو شخص معروف وقع التفاضل بين

قومه وقوم الرسول عليه الصلاة والسلام وإن كان لفظ تبع يطلق على كل من ملك العرب كما يطلق كسرى على من ملك الفرس وقيصر على من ملك الروم قيل اسمه أسعد الحميري وكنّي أبا كرب، وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي ﷺ قبل أن يبعث بتسعمائة سنة وروي أنه لما آمن بالمدينة كتب كتابا ونظم شعرا، أما الشعر فهو:
شهدت على أحمد أنه... رسول من الله باري النسم
فلو مدّ عمري إلى عمره... لكنت وزيرا له وابن عمّ
وأما الكتاب فروى ابن إسحق وغيره أنه كان فيه: أما بعد فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك وأنا على دينك وسنّتك وآمنت بربك ورب كل شيء وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام فإن أدركتك فبها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة فإني من أمتك الأولين وتابعتك قبل مجيئك وأنا على ملّتك وملّة أبيك إبراهيم عليه السّلام ثم ختم الكتاب ونقش عليه لله الأمر من قبل ومن بعد وكتب عنوانه: إلى محمد بن عبد الله نبيّ الله ورسوله خاتم النبيين ورسول رب العالمين ﷺ من تبع الأول. ويقال كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد فلم يزل عنده حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم. وكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر حتى أدوه للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال قوم ليس المراد بتبع رجلا واحدا إنما المراد ملوك اليمن وكانوا يسمّون التتابعة، قال الجوهري: «التتابعة ملوك اليمن والتبع الظل والتبع الظل والتبع ضرب من الطير» وعبارة الزمخشري: «وقيل لملوك اليمن التتابعة لأنهم يتبعون كما قيل الأقيال لأنهم يتقيلون» وفي مختار الصحاح: التقيل شرب نصف النهار. وسمي الظل تبعا لأنه يتبع الشمس.
هذا وكان منهم سبعون تبعا، قال النعمان بن بشير الأنصاري:

لنا من بني قحطان سبعون تبعا | أطاعت لنا بالخرج منّا الأعاجم |
ومنّا سراة الناس هود وصالح | وذو الكفل منّا والملوك الأعاظم |
الإعراب:
(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) كلام مستأنف مسوق لتسلية النبي ﷺ عمّا كان يكابده من قريش وإثلاج صدره بأن الله قادر على إنقاذه وإنقاذ أتباعه من أذاهم كما نجى بني إسرائيل من القبط وهو أمر كان بحسب الظاهر أمرا بعيد الوقوع.
واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق ونجينا فعل وفاعل وبني إسرائيل مفعول به ومن العذاب متعلقان بنجينا والمهين صفة للعذاب (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) من فرعون بدل من قوله من العذاب بإعادة الجار كأنه في نفسه كان عذابا مهينا لما كابدوه منه من عذاب وإهانة وقيل متعلقان بمحذوف حال من العذاب أي كائنا أو صادرا من فرعون، وإن واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر تقديره هو وعاليا خبرها ومن المسرفين خبر ثان لكان وجملة إن وما بعدها لا محل لها لأنها تعليلية (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) الواو عاطفة واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق واخترناهم فعل وفاعل ومفعول به وعلى علم متعلقان بمحذوف حال وعلى بمعنى مع أي مع علمنا بأنهم يزيفون وتفرط منهم الفرطات وعلى العالمين متعلقان باخترناهم أو لكثرة الأنبياء منهم (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) عطف على ما تقدم وآتيناهم فعل وفاعل ومفعول ومن صفحة رقم 130

الآيات حال مقدّم وما مفعول به ثان لآتيناهم وفيه خبر مقدم وبلاء مبتدأ مؤخر ومبين صفة لبلاء والجملة صلة الموصول (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ) إن واسمها واللام المزحلقة ويقولون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والجملة خبر إن وجملة إن هؤلاء مستأنفة مسوقة للحديث عن قريش بعد استطراد حديث بني إسرائيل (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) إن نافية وهي مبتدأ وإلا أداة حصر وموتتنا خبر هي والأولى نعت، وسيأتي معنى الميتة الأولى في باب الفوائد، والواو حرف عطف وما نافية حجازية ونحن اسمها وبمنشرين الباء حرف جر زائد ومنشرين خبرها منصوب محلا مجرور لفظا (فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الفاء الفصيحة أي إن كنتم صادقين فيما تقولون فعجّلوا لنا إحياء من مات من آبائنا لينهض دليلا على ما تعدّونه من قيام الساعة وبعث الموتى (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري وهم مبتدأ وخير خبر وأم حرف عطف وقوم تبع عطف على هم والذين عطف على قوم تبع ومن قبلهم متعلقان بمحذوف صلة الذين، وجملة أهلكناهم حال من المعطوف والمعطوف عليه أو مستأنفة لا محل لها وإن واسمها وجملة كانوا مجرمين خبرها والمراد بالخيرية المفضلة القوة والمنعة في الدنيا، وجملة انهم كانوا مجرمين تعليلية لا محل لها لأنها تعليل لإهلاكهم.
الفوائد:
معنى الموتة الأولى أنهم لما وعدوا بعد الحياة الدنيا حالتين أخريين الأولى منهما الموت والأخرى حياة البعث أثبتوا الحالة الأولى وهي الموت ونفوا ما بعدها وسمّوها أولى مع أنهم اعتقدوا أن لا شيء بعدها لأنهم نزلوا جحدهم على الإثبات فجعلوها أولى على ما ذكرت