آيات من القرآن الكريم

وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
ﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

أن الرهو الفجوة الواسعة. وعن بعض العرب: أنه رأى جملا فالجا «١» فقال: سبحان الله، رهو بين سنامين، أى: اتركه مفتوحا على حاله منفرجا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ وقرئ بالفتح، بمعنى: لأنهم.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧)
والمقام الكريم: ما كان لهم من المجالس والمنازل الحسنة. وقيل: المنابر. والنعمة- بالفتح- من التنعم، وبالكسر- من الإنعام. وقرئ: فاكهين وفكهين.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)
كَذلِكَ الكاف منصوبة على معنى: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها وَأَوْرَثْناها أو في موضع الرفع على الأمر كذلك قَوْماً آخَرِينَ ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولا ولاء، وهم بنو إسرائيل: كانوا متسخرين مستعبدين في أيديهم، فأهلكهم الله على أيديهم، وأورثهم ملكهم وديارهم. إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكه: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض» «٢» وقال جرير:
تبكى عليك نجوم اللّيل والقمرا «٣»

(١). قوله «أنه رأى جملا فالجا» في الصحاح «الفالج» الضخم ذو السنامين. (ع)
(٢). أخرجه البيهقي في الشعب في السبعين منه والطبري والثعلبي من حديث شريح بن عبيد الحضرمي عن النبي ﷺ قال «إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا إلا غربة على مؤمن. ما مات مؤمن في غربة غائب عنه فيها بواكيه- الحديث»
(٣).
نعى النعاة أمير المؤمنين لنا يا خير من حج بيت الله واعتمرا
حملت أمرا عظيما فاصطبرت له وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
الشمس طالعة ليست بكاسفة تبكى عليك نجوم الليل والقمرا
لجرير، يرثى عمر بن عبد العزيز. والنعي: النداء بالموت. وقوله «يا خير» حكاية قول النعاة، أى: قائلين يا خير، ويحتمل أنه من كلام الشاعر، ففيه التفات. والأمر العظيم: الخلافة ومشاقها: شبهها بالمحسوس على طريق المكنية.
والتحصيل: تخييل. وأمر الله: شرعه، أو اكتفى به عن ذكر النهى لدلالته عليه. وعمرا: منادى مندوب، وألف الندبة منعت ضمة وجلبت فتحة. واستعمال «يا» في الندبة مع أن الأصل فيها «وا» لعدم اللبس في النداء بعد ذكر النعي. ويقال: كسفت الشمس كسوفا، وكسفها الله كسفا، وبكى على زيد وبكاء، وباكاء فبكاه، أى غلبه في البكاء، كفاخره ففخره إذا غلبه في الفخر، فكسف، وبكى: متعديان ولازمان، وطالعة: خبر الشمس.
وليست بكاسفة: خبر ثان. وتبكى عليك: حال أو خبر ثالث. ونجوم الليل: مفعول كاسفة، أى: لم تكسف الشمس نجوم الليل لانطماسها وقلة ضوئها من كثرة بكائها، فلا تقدر على منع الكواكب من الظهور. ويحتمل أن نجوم الليل مفعول تبكى. أى: تغلب نجوم الليل في البكاء عليك. وقيل: روايته هكذا وهم، والرواية: الشمس كاسفة ليست بطالعة: أى لا تطلع أبدا من حينئذ، فالأوجه أن نجوم الليل مفعول تبكى. وقيل: ظرف له، أى:
مدة نجوم... الخ. وقيل «نجوم» مرفوع على الفاعلية، والقمر: مفعول معه، ثم إن المراد بهذا حزن جميع المخلوقات عليه، لا سيما الناس العقلاء.

صفحة رقم 276

وقالت الخارجية:

أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنّك لم تجزع على ابن طريف «١»
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما: من بكاء مصلى المؤمن، وآثاره في الأرض، ومصاعد عمله، ومهابط رزقه في السماء: تمثيل، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده: فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض. وعن الحسن: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعنى: فما بكى عليهم
(١).
أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ولا المال إلا من قنا وسيوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى فان مات لم يرض الندى بحليف
فقد ناء فقدان الربيع وليتنا فديناه من ساداتنا بألوف
لليلى بنت طريف ترثى أخاها الوليد. وأيا: حرف نداء. والخابور: موضع كثير الشجر، نزلت شجرة منزلة العاقل، فنادته واستفهمته عن سبب إخراجه الورق، من باب تجاهل العارف ساقت المعلوم مساق المجهول، واستفهمت عنه لفرط ما بها من الجزع تيقنت أن كل الأشياء جزعت عليه حتى الشجر، فخاطبته بقولها: كأنك لم تجزع على أخى، وذكرته بكنيته تعظيما لقدره وتنويها بذكره. ومورقا: حال من كاف الخطاب، ثم قالت: هو فتى لا يحب أن يتزود إلا من التقى، ولا يحب المال إلا من الغنائم بالحرب، فقولها «إلا من قنا وسيوف» : كناية عن ذلك. والقناة:
الرماح، واحده: قناة. حليف الندى: أى ملازم له تلازم المتحالفين على الاجتماع، فهو استعارة مصرحة، ثم قالت: يرضى به أى بصحبته الندى: مدة حياته وإن طالت. وهذا ترشيح للاستعارة. وقولها: فان مات «إن» فيه بمعنى إذ، فهي لمجرد الربط لا للشك، كما ذهب إليه الكوفيون في نحو قوله تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وهذا على أنه كان قد مات كما هو ظاهر قولها فقدناه. ويحتمل أنه كان في مرض الموت، أى: شارفنا فقده مجازا، كأنه قد حصل. وشبهته بالربيع في ضمن تشبيه فقدانه فقدان الربيع يجامع عموم نفع كل: مدحته بالتقوى والشجاعة والكرم وعموم النفع والسيادة، وتنكير ألوف للتكثير، ويروى: دهمائنا، بدل سادتا. والدهماء: السواد العظيم. وظاهر التمني يدل أيضا على أنه كان قد مات، إلا أن يكون المعنى: ليتنا فديناه مما أصابه فأمرضه.
وتكرير «حليف» من باب رد العجز على الصدر [.....]

صفحة رقم 277
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية