
تعالى أنهم سيتبعونهم، والمعنى في ذلك أن الله تعالى إنما أمرهم بالسُّرَى ليلاً ليكون سببًا لاتباع فرعون وقومه إياهم، فيكون ذلك الاتباع سببًا للغرق. قاله صاحب النظم.
٢٤ - قوله تعالى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ وقال أبو عبيدة: أي ساكناً وأنشد قول بشر بن أبي خازم:
فإن أَهْلِكْ عُمَيْرُ فَرُبَّ زَحْفٍ | يُشبهُ نَقْعُهُ رَهْوًا ضَبَابًا (١) |
قال الليث: الرَّهْو مشي في سكون (٥). يقال رَهَا يَرْهُو رهوًا فهو رَاهٍ، ومن هذا يقال: عيش راهٍ إذا كان حافظًا وادعًا، وأفعلُ ذلك سهوًا رهوًا، أي ساكنًا بغير تشدد، أبو عبيد عن الأصمعي، يقال لكل ساكن لا يتحرك ساجٍ ورَاه، والإرْها الإسكان، ومعنى الآية على هذا القول قال الليث: بلغنا أن موسى لما دخل البحر عَجلَ وأَعْجَل أصحابه، فأوحى الله إليه: واترك البحر رهوًا، أي: ساكنًا على [هِينَتِكَ (٦)، والرهو من نعت موسى] (٧)
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤١.
(٣) انظر: قول المبرد في "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٢٩.
(٤) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٢.
(٥) انظر: "كتاب العين" (رهو) ٤/ ٨٣.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (رها) ٦/ ٤٠٣، ٤٠٤ (رها) ٦/ ٣٧٠، و"اللسان" (رها) ١٤/ ٣٦٠ فقد ورد فيهما بنصه.
(٧) كذا في الأصل، وفي "كتاب العين" (والرهو من نعت سير موسى) وأهل التفسير يقولون في قوله تعالى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾: أي: ساكناً على هِينةٍ.

وقومه، وليس من نعت البحر، إنما هو كما تقول للرجل: رفقًا، هذا كلامه، وليس بالسائغ في معنى الآية لأنه لم يقل أحد من المفسرين ولا من أهل المعاني أن الرهو من نعت موسى، وأيضًا فإن (اترك البحر) لا يدل على معنى اعبره وجاوزه واقطعه، ومعنى الآية ما ذكره مجاهد وقتادة ومقاتل (١). وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: ﴿رَهْوًا﴾ قال: ساكنًا هو أي كهيئته بعد أن ضربه، يقول: لا تأمره يرجع، اتركه حتى يدخله آخرهم (٢).
وقال قتادة: لما قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبع فرعون وجنوده فقيل له: (واترك البحر رهوًا) يقول: كما هو طريقاً يابساً (٣). وقال مقاتل: لما قطعوا البحر قالوا لموسى: اجعل لنا البحر كما كان، فإنا نخشى أن يقطعه فرعون في آثارنا، فأراد موسى أن يفعل ذلك، فقال الله تعالى: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ قال: يعني: صفوفًا (٤)، فعلى قول مجاهد معناه: اتركه ذا وهو أي: ساكنًا كما هو، وعلى قول قتادة ومقاتل: الرهو بمعنى السكون، إنما الرهو الفرجة بين الشيئين.
قال الأصمعي: [مَرَّ فالج (٥) بأعرابي] (٦) فقال: سبحان الله رهو بين
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٩٨، و"تفسير الوسيط" عن مجاهد ٤/ ٨٨.
(٣) أخرج ذلك الطبري عن قتادة ١٣/ ١٢١.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢١ بلفظ: (يعني صفوفًا ويقال ساكناً) ولم أتوصل إلى معنى صفوفًا.
(٥) الفلج: الفحج في الساقين، والفلج في الثنيتين. "تهذيب اللغة" (فلج) ١١/ ٨٧.
(٦) كذا لفظها في الأصل وهو تصحيف، والصحيح (ومر بأعرابي فالج). انظر: "تهذيب اللغة" (رها) ٦/ ٤٠٥، وفي اللسان: نظر أعرابي إلى بعير فالج.

سنامين أي: فجوة. فقال: رهى ما بين رجليه أي: فتح (١)، ونحو هذا قال مجاهد فيما روى عنه إسحاق بن عبد الله بن الحارث (٢) قالا: (رهوًا) طريقًا (٣)، يعنون الطريق بين الماء، ونحو هذا قال في رواية الوالبي: سمتًا (٤)، وهو بمعنى: الطريق.
وعبارات المفسرين في تفسير الرهو مختلفة، وذكرنا ما وافق اللغة، قال الربيع: سهلاً (٥)، وقال الضحاك: دمثًا (٦)، وقال عكرمة: يبسًا (٧)، وكل هذا من نعت الطريق الذي أظهره الله في البحر، وكأن ذلك الطريق يجمع هذه الأوصاف، وقال أبو سعيد: الرهو ما اطمأن وارتفع ما حوله (٨).
وقوله: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ يريد دعه كما فلقته لك؛ لأن الطريق في البحر كان رهوًا بين ملقى البحر، وهذا القول أيضًا من نعت الطريق غير أنه
(٢) هو إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري مولاهم، ويقال: الثقفي، وقد ينسب إلى جده، أرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عن أبي هريرة وابن عباس مرسلاً، وذكره ابن حبان في الثقات في التابعين، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه. انظر: "تهذيب التهذيب" ١/ ٢٣٨.
(٣) انظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٥٠، و"الدر المنثور" ٧/ ٤١٠.
(٤) أخرج ذلك الطبري من رواية علي بن أبي طلحة ١٣/ ١٢١، ونسبه الماوردي لابن عباس ٥/ ٢٥٠.
(٥) أخرج ذلك الطبري عن الربيع ١٣/ ١٢١، وذكره الماوردي ٥٨/ ٢٥٠، ونسبه القرطبي للربيع. انظر: "الجامع" ١٦/ ١٣٧.
(٦) أخرج ذلك الطبري عن الضحاك ١٣/ ١٢٢.
(٧) أخرج ذلك الطبري عن عكرمة ١٣/ ١٢٢، ونسبه القرطبي لعكرمة. انظر: "الجامع" ١٦/ ١٣٧.
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" (رها) ٦/ ٤٠٦.