آيات من القرآن الكريم

وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

بالحق وهم يعلمون ذلك» وثانيهما: «إن الذين يحقّ لهم الشفاعة ممن يدعوهم المشركون من دون الله هم الذين يشهدون بالحق ويعلمونه فقط مثل عيسى والعزيز والملائكة وهؤلاء لا يمكن أن يشفعوا للمشركين» ومعظم المفسرين أخذوا بالتأويل الأول وهو الصواب المتسق مع روح الآية مع القول إن المقصود هنا من الذين يدعوهم المشركون من دون الله هم الملائكة لأنهم هم موضوع الكلام من أول السورة، أما الآية الثانية فقد احتوت تنديدا بتناقض المشركين فهم إذا سئلوا عمن خلقهم لما وسعهم إلّا القول إنه الله، وتساؤل استنكاري وتنديدي عن انصرافهم عنه والحالة هذه إلى غيره وإشراك غيره معه.
والآيات متصلة بسابقاتها من حيث إن الكفار المشركين هم موضوع الكلام فيها كما هو المتبادر، والاتصال يبدو كذلك في الحديث عن الذين يدعوهم المشركون مع الله ويأملون شفاعتهم وهم الملائكة الذين زعموا أنهم بنات الله، وهو الزعم الذي أمر النبي ﷺ بإعلان رفضه في الآيات السابقة.
وفي الآية الأولى تخييب لآمال المشركين فهم يرجون شفاعة الملائكة.
والملائكة لا يمكنهم أن يشفعوا إلّا للمؤمنين بالحق العالمين به وقد استهدف فيما استهدف تسفيه المشركين وحملهم على الارعواء. وفي جملة إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) [٨٦] تلقين قرآني مستمر المدى بوجوب التزام الحق والشهادة به عن علم ويقين وتنويه بمن يكونون كذلك. ولقد قال بعضهم إن الآية الثانية نسخت بآيات القتال وهذا ما يكررونه في المناسبات المماثلة، وقد ذكرنا وجه الحق في هذه الآية وأمثالها في مناسبات سابقة فنكتفي بهذه الإشارة.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٨ الى ٨٩]
وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
. تعددت الأقوال في تخريج كلمة وَقِيلِهِ ومحل عطفها، والمتبادر أنها حكاية قول صادر عن النبي ﷺ يعبر به عن ألمه من عناد الكفار ويأسه من إيمانهم.

صفحة رقم 530

وقد سرى عنه في الآية الثانية وأمر بالصفح والإغضاء عنهم وإعلان السلام للناس وتركهم وشأنهم فسيعلمون من هو على الحق ومن هو على الضلال.
والصلة قائمة بين الآيتين وما سبقهما من حيث إن الكفار المشركين هم موضوع الكلام فيهما وقد جاءتا خاتمة قوية لموقف اللجاج والحجاج وللسورة معا جريا على النظم القرآني.
وقد انطوى في الجملة الأخيرة من الآية الثانية تطمين للنبي ﷺ وبثّ الوثوق والاستعلاء في نفسه. والأمر بالصفح عنهم وإعلان السلام للناس ينطويان على التوكيد بأسلوب رائع محبب بأن مهمة النبي ﷺ هي الدعوة إلى الله ومكارم الأخلاق ثم ترك الناس وشأنهم يختارون ما يريدون دون ما إجبار ولا إبرام ولا عداء ولا حقد مع تقرير هذا له ولمن آمن به، ومع الاطمئنان إلى أن ما يدعو إليه هو الحق والهدى، وأن ذلك سوف يظهر للناس مما قد تكرر تقريره في القرآن كثيرا وبأساليب متنوعة. ولقد ظهر ذلك حقا وتحققت المعجزة القرآنية بدخول الناس في دين الله أفواجا وفيهم غالبية أهل مكة الذين كانوا يقفون المواقف العنيدة المناوئة التي حكتها الآيات والتي كانت تثير في النبي ﷺ الحزن والألم والحسرة.
ولقد روى المفسرون «١» عن بعض علماء التابعين مثل قتادة ومقاتل أن حكم الآية الثانية قد نسخ بآيات القتال، وهذا القول قد تكرر في مناسبات مماثلة كثيرة سبقت أمثلة منها. ونكرر هنا ما قلناه قبل من أن النسخ قد يصح بالنسبة إلى الأعداء المعتدين على المسلمين والصادين عن الدعوة والطاعنين بالدين الإسلامي. أما الموادّون والمسالمون للمسلمين فالتعامل معهم في نطاق الصفح والسلام وتركهم وشأنهم بعد الدعوة وبيان هدى الله فهو محكم على ما أوردنا دلائله في سياق سورة (الكافرون) والله تعالى أعلم.

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.

صفحة رقم 531

تعليق على جملة فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ
وبالإضافة إلى ما قلناه في مدى هذه الجملة في مقامها فهناك ما يمكن أن يضاف إليه أيضا.
فالأمر هنا موجه للنبي ﷺ ليصفح عن الجاحدين برسالته وليقول لهم سلام، وفي سورة الأنعام آية تأمره بأن يقول للمسلمين الفقراء الذين آمنوا به سلام عليكم [الآية/ ٥٤] وهناك آيات كثيرة أخرى منها آيات تفيد أن السلام هو تحية أهل الجنة فيما بينهم [آية سورة يونس/ ١٠ وآية سورة إبراهيم/ ٢٣] تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ومنها ما يفيد أن الملائكة يستقبلون المؤمنين في الآخرة بالسلام [النحل/ ٣٢ والزمر/ ٧٣ والرعد/ ٢٤] ومنها ما أمر فيه بإلقاء السلام على أهل البيوت التي يدخلها المسلمون: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ «١» تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً... سورة النور: [٦١]، ومنها ما وجّه للأنبياء من الله [آيات سورة الصافات/ ١٠٩- ١٣٠] ومنها ما حكي عن عباد الرحمن حينما يخاطبهم الجاهلون كما جاء في آية سورة الفرقان هذه: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣).
والسلام هو بمعنى الأمان وضد الخصام وفيه معنى التطمين والتحبب والتأنيس، ولقد رويت أحاديث نبوية عديدة في الحثّ على تعاطيه وآدابه، منها حديث رواه أبو داود والترمذي ومسلم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا أفلا أدلّكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» »
. وحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام» «٣». وحديث رواه الترمذي عن جابر أن النبي ﷺ قال: «السلام قبل الكلام»

(١) أي على أهلكم وذويكم.
(٢) التاج ج ٥ ص ٢٢٣.
(٣) المصدر نفسه.

صفحة رقم 532

وقال: «لا تدعوا أحدا إلى الطعام حتى يسلّم» «١». وحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يسلّم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير» «٢». وحديث رواه الترمذي عن أنس أن النبي ﷺ قال له: «إذا دخلت على أهلك فسلّم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك» «٣». وحديث رواه البخاري ومسلم عن أنس: «أنه كان يمشي مع النبي ﷺ فيمرّ بصبيان فيسلّم عليهم» «٤»، وحديث رواه الترمذي وأبو داود عن أسماء بنت يزيد قالت: «إنّ النبي ﷺ مرّ علينا بالمسجد يوما وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم» «٥».
وحديث رواه الترمذي عن أبي جري أن النبي ﷺ قال: «إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل السلام عليكم ورحمة الله» «٦». وحديث رواه البخاري عن أسامة بن زيد: «أن النبي ﷺ مرّ بمجلس وفيه أخلاط من المسلمين واليهود فسلّم عليهم» «٧». حيث يبدو من كل هذا تلقين جليل رباني ونبوي للمسلمين بأن يجعلوا السلام عنوانا لمقابلاتهم وصلاتهم بالناس على اختلاف فئاتهم مما فيه روعة وجلال ومما جعل السلام على الناس من العادات الحسنة التي تميز بها المسلمون منذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا، ولقد بدأت السورة بعد مطلعها بالتنديد بالمشركين لعقيدتهم بكون الملائكة بنات الله وانتهت بمثل ذلك أيضا، وهكذا تمّ الارتباط بين بدايتها ونهايتها مما يدل على ترابط فصولها ووحدة نزولها.

(١) انظر التاج ج ٥ ص ٢٢٤- ٢٢٧.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه. [.....]
(٤) المصدر نفسه.
(٥) المصدر نفسه.
(٦) المصدر نفسه.
(٧) المصدر نفسه.

صفحة رقم 533

سورة الدخان
في السورة تنويه بليلة نزول الوحي بالقرآن ورسالة النبي ﷺ للناس، وتوكيد بصدق ذلك وتنديد بالكفار على إصرارهم على الكفر والعناد وإنذار لهم، وتذكير بما كان من موقف فرعون وقومه المماثل من رسالة موسى وما كان من إغراقهم ونجاة بني إسرائيل ونعمة الله عليهم بسبب استجابتهم للدعوة. وحكاية لما كان يقوله الكفار في صدد إنكار البعث وتسفيه لقولهم وتوكيد حكمة الله وعدله في خلق الكون ومجيء يوم القيامة وبيان لمصير الكفار والمتقين فيه.
وفصول السورة مترابطة وآياتها متوازنة مما يسوّغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة.
ولقد روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» «١». وروى الترمذي عن أبي هريرة أيضا أن النبي ﷺ قال: «من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له» «٢»، وأخرج الطبراني حديثا جاء فيه: «من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة» «٣».
وينطوي في الأحاديث تنويه نبوي بهذه السورة لا بدّ له من حكمة، ولعلّ منها ما انطوى فيها من مواعظ وتنويه بالقرآن وليلة نزوله وبالإضافة إلى ذلك فيها دلالة على أن السورة كانت تامة الشخصية معروفة الاسم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

(١) التاج ج ٤ ص ١٨- ١٩.
(٢) التاج ج ٤ ص ١٨- ١٩.
(٣) التاج ج ٤ ص ١٨- ١٩.

صفحة رقم 534
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية