آيات من القرآن الكريم

وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

في السماء هو إله، وتقدير هذا الحذف من الصلة هنا حسن لطولها، وقد استحسن الخليل ذلك، فإذا كان التقدير على هذا ارتفع هذا المحذوف بالابتداء و ﴿إِلَهٌ﴾ خبره والظرف الذي هو قوله: ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ متعلق بقوله: ﴿إِلَهٌ﴾ وموضعه نصب وإن كان مقدمًا عليه، ألا ترى أنهم قد أجازوا كل يوم ثوب فاعمل فيه، والمعنى مقدم. والمعنى: إنما هو عن الإخبار بالآلهة لا عن الكون في السماء، أي: أنه تعالى اسمه يقصد بالعبادة في السماء والأرض. انتهى (١).
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ لأن خَلْق السموات والأرض يدل على الحكمة والعلم.
٨٦ - قوله تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ﴾ ذكر المفسرون في هذه الآية قولين:
أحدهما: إن الذين يدعون من دونه هم عزير وعيسى والملائكة، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء والكلبي، وقول مجاهد ومقاتل (٢)، وقال ابن عباس: يريد أن الملائكة لا تشفع إلا لمن شهد بالحق (٣)، وقال مجاهد: لا يشفع عيسى ولا عزير ولا الملائكة إلا من شهد بالحق (٤).
وقال مقاتل: قال النضر بن الحرث ونفرٌ معه: إن كان ما يقول محمد حق، فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد، فأنزل الله هذه

(١) ذكر ذلك في "الوسيط" عن أبي علي الفارسي ٤/ ٨٣، ولم أقف عليه عند أبي علي.
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ٥٩٦. وأخرجه الطبري ١٣/ ١٠٥ عن مجاهد، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ٩٢ أ، "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٠٦، "زاد المسير" ٧/ ٣٣٤.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) "تفسير مجاهد" ص ٥٩٦، وأخرجه الطبري ١٣/ ١٠٥ عن مجاهد.

صفحة رقم 84

الآية، يقول: لا تقدر الملائكة الذين تعبدونهم لأن يشفعوا لأحد، ثم استثنى فقال: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ (١) والمعنى على هذا القول: لا يشفع هؤلاء إلا لمن شهد بالحق، فأضمر اللام (٢) أو يقال التقدير: إلا شفاعة من شهد بالحق فحذف المضاف، وهذا على لغة من يعدي الشفاعة بغير لام فيقول: شفعت فلانًا، بمعنى شفعت له، كما تقول: كلمته وكلمت له، ونصحته ونصحت له.
القول الثاني: أن الذين يدعون من دونه كل معبود من دون الله، وقوله: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ عزير وعيسى والملائكة، وهذا قول قتادة قال: إنهم عبدوه من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة (٣)، ومعنى ﴿مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ قال ابن عباس: من شهد أنه لا إله إلا الله وحده وأن محمدًا عبده ورسوله (٤)، وقال مقاتل: إلا من شهد بالتوحيد من بني آدم (٥).
﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أن الله واحد لا شريك له فيشفعون لهؤلاء، وفي هذا دليل على أنه لا تتحقق الشهادة بالعلم، وأجمع أصحابنا أن شرط الإيمان طمأنينة القلب على ما أعهده بحيث لا يتشكك إذا شكك، ولا يضطرب إذا حرك لقوله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ يعني شهدوا على علم وبصيرة (٦)، قال إبراهيم: يشهد وهو يعلم أنك كذلك، قال مجاهد:

(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٠٦، "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٤٢، "زاد المسير" ٧/ ٢٣٣.
(٢) انظر: "الدر المصون" ٦/ ١٠٨، "تفسير ابن عطية" ١٤/ ٢٨١.
(٣) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ١٠٥ عن قتادة، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ٩٢ ب، "زاد المسير" ٧/ ٣٣٤.
(٤) ذكر ذلك القرطبي في "الجامع" عن ابن عباس. انظر: ١٦/ ١٢٢.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٠٦
(٦) ذكر ذلك في تفسير "الوسيط" ٤/ ٨٤.

صفحة رقم 85
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية