
قوله تعالى: لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ يعني: جاءكم جبريل في الدنيا، بالقرآن والتوحيد وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ يعني: جاحدون. وهو قوله تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً قال مقاتل: وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة، ودخل إبليس عليهم، وقد ذكرناه في سورة الأنفال. فنزل أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ يعني: أجمعوا أمرهم بالشر على النبي صلّى الله عليه وسلم فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أي: مجمعون أمرنا على ما يكرهون. وقال الكلبي: وذلك أن ثلاثة نفر، اجتمعوا وقالوا: إنه يقول: بأن ربي يعلم السر. أترى أنه يعلم مَا نقول بيننا؟ فنزل أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً يعني: أقاموا على المعصية فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أي: معذبون عليها. قال القتبي: أي: أحكموه، والمبرم: المفتول على طاقين.
قوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ يعني: بل يظنون. ويقال: أيظنون، والميم صلة أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التوبيخ، ومعناه إن الله تعالى يعلم سرهم ونجواهم. قال ابن عباس: الذين يتناجون خلف الكعبة، يعني: الذين يقولون: إن الله لا يسمع مقالتنا. قال الله تعالى: بَلى يعني: نسمع ذلك وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ مقالتهم.
قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ يعني: الموحدين من أهل مكة. قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية، وقرئت عليهم فقال النضر بن الحارث: ألا ترونه صدقني. فقال له الوليد: ما صدقك، ولكنه يقول: ما كان للرحمن ولد. يعني: إنَّ إن بمعنى ما قال: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ يعني: الموحدين من أهل مكة. وقال الكلبي: أنا أول الآنفين أن لله ولداً. وقال القتبي: إن كان هذا في زعمكم، فأنا أول الموحدين، لأنكم تزعمون أن له ولداً، فأنَّا أوَّلِ الآنفين من ذلك، فلم توحدوه ومن وحد الله، فقد عبده، ومن جعل له ولداً، فليس من العابدين كقوله: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) [الذاريات: ٥٦] أي:
ليوحدون ثم نزّه نفسه فقال:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨٢ الى ٨٩]
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)

سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ يعني: عما يقولون إن لله ولداً فَذَرْهُمْ يعني: كفار مكة، حين كذبوا بالعذاب يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا يعني: يخوضوا في أباطيلهم، ويستهزءوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يعني: حتى يعاينوا يومهم الذي يوعدون، وهو يوم القيامة.
قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ يعني: إله كل شيء، ويعلم كل شيء. ويقال: هو إله في السماء يعبد، وفي الأرض إله يعبد. ويقال: يوحد في السماء ويوحد في الأرض وَهُوَ الْحَكِيمُ في أمره الْعَلِيمُ بخلقه وبمقالتهم، ثم عظم نفسه فقال تعالى: وَتَبارَكَ الَّذِي يعني: تعالى عما وصفوه الَّذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني:
خزائن السموات المطر، وخزائن الأرض النبات وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ يعني: قيام الساعة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قرأ أبو عمرو، ونافع، وعاصم (تُرْجَعُونَ) بالتاء، على معنى المخاطبة. وقرأ الباقون بالياء، على معنى الخبر عنهم.
قوله تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعني: لا يقدر الذين يعبدون مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ يعني: بلا إله إلا الله مخلصاً وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنه الحق، حين شهدوا بها من قبل أنفسهم، وأنهم يشفعون لهؤلاء قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ يعني: كفار قريش فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ يعني: أنى يصرفون بعد التصديق.
ثم قال: وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ يعني: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم وَقِيلِهِ يعني:
وقوله. قرأ عاصم وحمزة (قِيلِهِ) بكسر اللام، والباقون بالنصب. وقرئ في الشاذ (وَقِيلُهُ) بضم اللام، فمن قرأ بالنصب، فنصبه من وجهين: أحدهما على العطف على قوله: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ [التوبة: ٧٨] (وقيله) ومعنى آخر وعنده علم الساعة، وعلم قيله يا رب. يعني: يعلم الغيب ومن قرأ بالكسر معناه وعنده علم الساعة، وعلم قيله يا رب. ومن قرأ بالرفع فمعناه: وقيله قول يا رب إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ يعني: لا يصدقون فَاصْفَحْ عَنْهُمْ يعني: أعرض عنهم، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال وَقُلْ سَلامٌ يعني: سداداً من القول فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وهذا وعيد منه. قرأ نافع وابن عامر (تَعْلَمُونَ) بالتاء، على معنى المخاطبة لهم، والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم، والله أعلم.