آيات من القرآن الكريم

وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

الْقَصْرِ كَانَ اجْتِلَابُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ تَأْكِيدًا لِلْقَصْرِ بِإِعَادَةِ صِيغَةٍ أُخْرَى مِنْ صِيَغِ الْقَصْرِ. وَجُمْهُورُ الْعَرَبِ يَجْعَلُونَ ضَمِيرَ الْفَصْلِ فِي الْكَلَامِ غَيْرَ وَاقِعٍ فِي مَوْقِعِ إِعْرَابٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْفِ، وَهُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ حَرْفٌ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنِ الْإِعْرَابِ وَيُسَمِّيهِ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ فَصْلًا، وَيُسَمِّيهِ نُحَاةُ الْكُوفَةِ عِمَادًا.
وَاتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى نَصْبِ الظَّالِمِينَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كانُوا وَبَنُو تَمِيمٍ يَجْعَلُونَهُ ضَمِيرًا طَالِبًا مُعَادًا وَصَدْرًا لِجُمْلَتِهِ مُبْتَدَأً وَيَجْعَلُونَ جُمْلَتَهُ فِي مَحَلِّ الْإِعْرَابِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَا قَبْلَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ عَلَى أَنَّ هُمْ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ مِنْهُ وَمِنْ خَبَرِهِ خَبَرُ كانُوا. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ رُؤْبَةَ بْنَ الْعَجَّاجِ كَانَ يَقُولُ: أَظُنُّ زَيْدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، بِرَفْع خير.
[٧٧، ٧٨]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : الْآيَات ٧٧ إِلَى ٧٨]
وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨)
جُمْلَةُ وَنادَوْا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف: ٧٥]، أَوْ عَطْفٌ عَلَى
جُمْلَةِ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ. وَحُكِيَ نِدَاؤُهُمْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي مَعَ أَنَّهُ مِمَّا سَيَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِمَّا لِأَنَّ إِبْلَاسَهُمْ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ وَهُوَ الْيَأْسُ يَكُونُ بَعْدَ أَنْ نَادَوْا يَا مَالِكُ وَأَجَابَهُمْ بِمَا أَجَابَ بِهِ، وَذَلِكَ إِذَا جَعَلْتَ جُمْلَةَ وَنادَوْا حَالِيَّةً، وَإِمَّا لِتَنْزِيلِ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي فِي تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ تَخْرِيجًا لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [النَّمْل: ٨٧] فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر:
٦٨] وَهَذَا إِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ وَنادَوْا إِلَخْ مَعْطُوفَةً.
وَ (مَالِكُ) الْمُنَادَى اسْمُ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِجَهَنَّمَ خَاطَبُوهُ لِيَرْفَعَ دَعْوَتَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى شَفَاعَةً.

صفحة رقم 259

وَاللَّامُ فِي لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ لَامُ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ. وَتَوْجِيهُ الْأَمْرِ إِلَى الْغَائِبِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَعْنَى التَّبْلِيغِ كَمَا هُنَا، أَوْ تَنْزِيلِ الْحَاضِرِ مَنْزِلَةَ الْغَائِبِ لِاعْتِبَارٍ مَا مِثْلَ التَّعْظِيمِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الْوَزِيرِ لِلْخَلِيفَةِ: لِيَرَ الْخَلِيفَةُ رَأْيَهُ.
وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى: الْإِمَاتَةِ كَقَوْلِهِ: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [الْقَصَص: ١٥]، سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُمُ الْحَيَاةَ لِيَسْتَرِيحُوا مِنْ إِحْسَاسِ الْعَذَابِ. وَهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُمِيتَهُمْ فَأُجِيبُوا بِأَنَّهُمْ مَاكِثُونَ جَوَابًا جَامِعًا لِنَفْيِ الْإِمَاتَةِ وَنَفْيِ الْخُرُوجِ فَهُوَ جَوَابٌ قَاطِعٌ لِمَا قَدْ يَسْأَلُونَهُ مِنْ بَعْدُ.
وَمِنَ النَّوَادِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ (وَنَادَوْا يَا مَالِ) بِحَذْفِ الْكَافِ عَلَى التَّرْخِيمِ، فَذُكِرَتْ قِرَاءَتُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا كَانَ أَشْغَلَ أَهْلَ النَّارِ عَنِ التَّرْخِيمِ، قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : وَعَنْ بَعْضِهِمْ: حَسَّنَ التَّرْخِيمَ أَنَّهُمْ يَقْتَطِعُونَ بَعْضَ الِاسْمِ لِضَعْفِهِمْ وَعِظَمَ مَا هم فِيهِ اهـ. وَأَرَادَ بِبَعْضِهِمُ ابْنَ جِنِّي فِيمَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَنَّ ابْنَ جِنِّي قَالَ:
وَلِلتَّرْخِيمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سِرٌّ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لِعِظَمِ مَا هُمْ عَلَيْهِ ضَعُفَتْ وَذُلَّتْ أَنْفُسُهُمْ وَصَغُرَ كَلَامُهُمْ فَكَانَ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاخْتِصَارِ. وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ سَمِعت النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنادَوْا يَا مالِكُ بِإِثْبَاتِ الْكَافِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقِرَاءَةُ (وَنَادَوْا يَا مَالِ) رَوَاهَا أَبُو الدَّرْدَاءِ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيكون النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِالْوَجْهَيْنِ وَتَوَاتَرَتْ قِرَاءَةُ إِثْبَاتِ الْكَافِ وَبَقِيَتِ الْأُخْرَى مَرْوِيَّةً بِالْآحَادِ فَلَمْ تَكُنْ قُرْآنًا.
وَجُمْلَةُ لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ إِلَى آخِرِهَا فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِجُمْلَةِ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ بِاعْتِبَارِ تَمَامِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ الِاسْتِدْرَاكُ بقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ.
وَضَمِيرُ جِئْناكُمْ لِلْمَلَائِكَةِ، وَالْحَقُّ: الْوَحْيُ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ فَنَسَبَ مَالِكٌ الْمَجِيءَ بِالْحَقِّ إِلَى جَمْعِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى طَرِيقَةِ اعْتِزَازِ الْفَرِيقِ وَالْقَبِيلَةِ بِمَزَايَا

صفحة رقم 260
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية