آيات من القرآن الكريم

وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

كما فعلوا ذلك في زنادقة وبطارقة وغير ذلك، وأساورة: جمع سوار.
وقوله: مُقْتَرِنِينَ أي يحمونه ويشهدون له ويقيمون حجته. ثم أخبر تعالى عن فرعون أنه استخف قومه بهذه المقالة، أي طلب خفتهم وإجابتهم إلى غرضه، فأجابوه إلى ذلك وأطاعوه في الكفر لفسقهم ولما كانوا بسبيله من الفساد. و: آسَفُونا معناه: أغضبونا بلا خلاف، وإغضاب الله تعالى هو أن تعمل الأعمال الخبيثة التي تظهر من أجلها أفعاله الدالة على إرادة السوء بمن شاء. والغضب على هذا صفة فعل، وهو مما يتردد، فإذا كان بمعنى ما يظهر من الأفعال، فهو صفة فعل، وإذا رد إلى الإرادة فهو صفة ذات، وفي هذا نظر.
وقرأ جمهور القراء: «سلفا» بفتح السين واللام جمع سالف، كحارس وحرس. والسلف: هو الفارط من الأمم المتقدم، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلا لهم يعتبرون بهم، أو يقعون فيما وقعوا فيه، ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام: «يذهب الصالحون أسلافا»، وقوله في ولده إبراهيم: «ندفنه عند سلفنا الصالح عثمان بن مظعون». وقرأ حميد الأعرج وحمزة والكسائي: «سلفا» بضم السين واللام، وهي قراءة عبد الله وأصحابه وسعد بن عياض وابن كثير، وهو جمع: سليف. وذكر الطبري عن القاسم بن معن أنه سمع العرب تقول: مضى سلف من الناس، بمعنى السلف. وقرأ علي بن أبي طالب وحميد الأعرج أيضا: «سلفا» بضم السين وفتح اللام، كأنه جمع سلفة، بمعنى الأمة والقطعة. والآخرون: هو من يأتي من البشر إلى يوم القيامة.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)
روي عن ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية، أنه لما نزلت: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ، فَيَكُونُ [آل عمران: ٥٩] ونزل مع ذلك ذكر عيسى وحاله وكيف خلق من غير فحل، قالت فرقة: ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى، فهذا كان صدورهم من ضربه مثلا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب: «يصدون» بضم الصاد، بمعنى: يعرضون. وقرأ الباقون وابن عباس وابن جبير والحسن وعكرمة: «يصدون» بكسر الصاد، بمعنى يضحكون، وأنكر ابن عباس ضم الصاد، ورويت عن علي بن أبي طالب، وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، مثل «يعرشون ويعرشون».

صفحة رقم 60

وقوله تعالى: آلِهَتُنا ابتداء معنى ثان، وذلك أنه لما نزلت إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء: ٩٨] جاء عبد الله بن الزعبري ونظراؤه فقالوا: نحن نخصم محمدا: آلهتنا خير أم عيسى؟ وعلموا أن الجواب أن يقال عيسى، قالوا، وهذه آية الحصب لنا أو لكل الأمم من الكفار فقال النبي عليه السلام: بل لكل من تقدم أو تأخر من الكفار، فقالوا نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى، إذ هو خير منها، وإذ قد عبد فهو من الحصب إذا، فقال: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا جدلا منهم ومغالطة، ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه ولا عن إرادة، ولا له في ذلك ذنب.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: «أأالهتنا» بهمزة استفهام وهمزة بعدها بين بين وألف بعدها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: بهمزتين مخففتين بعد الثانية ألف. وقرأ ورش عن نافع: بغير استفهام:
«آلهتنا» على مثال الخبر. وقرأ قالون عن نافع: «ءالهتنا» على الاستفهام بهمزة واحدة بعدها مدة. وفي مصحف أبي بن كعب: «خير أم هذا»، فالإشارة إلى محمد، وخرجت هذه القراءة على التأويل الأول الذي فسرناه، وكذلك قالت فرقة ممن قرأ: أَمْ هُوَ إن الإرادة محمد عليه السلام، وهو قول قتادة. وقال ابن زيد والسدي المراد ب هُوَ عيسى، هذا هو المترجح.
والجدال عند العرب: المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتفق من القول إنما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظاهر إلا أن يتطلب الحق في نفسه، وروى أبو أمامة عن النبي عليه السلام أنه قال: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل»، ثم قرأ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا قال أبو أمامة: ورأى عليه السلام قوما يتنازعون، فغضب حتى كأنما صب في وجهه الخل، وقال: «لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فما ضل قوم إلا أوتوا الجدل» ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد، وأخبر عن عيسى أنه عبد أنعم الله عليه بالنبوءة والمنزلة العالية، وجعله مثلا لبني إسرائيل.
وقوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ الآية، أي لا تستغربوا أن يخلق عيسى من غير فحل، فإن القدرة تقضي ذلك وأكثر منه.
وقوله: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ معناه: لجعلنا بدلا منكم، أي لو شاء الله لجعل بدلا من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون بني آدم فيها. وقال مجاهد وابن عباس: يخلف بعضهم بعضا. والضمير في قوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد: الإشارة به إلى عيسى. وقالت فرقة: إلى محمد عليه السلام. وقال الحسن أيضا وقتادة: إلى القرآن.
وقرأ جمهور الناس: «لعلم» بكسر العين وسكون اللام. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة وأبو هند الغفاري ومجاهد وأبو نضرة ومالك بن دينار والضحاك: «لعلم» بفتح العين واللام، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس: «للعلم» بلامين، الأولى مفتوحة. وقرأ أبي بن كعب: «لذكر للساعة».
فمن قال إن الإشارة إلى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو إشعار بالساعة وشرط من أشراطها،

صفحة رقم 61
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية