آيات من القرآن الكريم

أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

النًّبوَّة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس. والثاني: الجنة خير ممّا يجمعون في الدنيا، قاله السدي.
قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فيه قولان: أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس. والثاني: على إِيثار الدنيا على الدِّين، قاله ابن زيد. قوله تعالى: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ لهوان الدنيا عندنا. قال الفراء: إن شئتَ جعلت اللّام في «لبيوتهم» مكرّرة، كقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ «١» وإِن شئتَ جعلتَها بمعنى «على»، كأنه قال: جَعَلْنا لهم على بُيوتهم، تقول للرجل: جعلتُ لك لقومك الأُعطية، أي: جعلتُها من أجلك لهم.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «سَقْفاً» على التوحيد. وقرأ الباقون: «سُقُفاً» بضم السين والقاف جميعاً «٢». قال الزجاج: والسَّقف واحد يدلُّ على الجمع فالمعنى: جعلْنا لبيتِ كلِّ واحد منهم سقفاً من فِضَّة وَمَعارِجَ وهي الدَّرَج والمعنى: وجعلْنا معارج من فِضَّة، وكذلك «وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً» أي من فِضَّة وَسُرُراً أي من فِضَّة. قوله تعالى: عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال ابن قتيبة: أي: يَعْلُون، يقال: ظَهَرْتُ على البيت: إذا علَوْت سطحه. قوله تعالى: وَزُخْرُفاً وهو الذهب والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهباً وغنىً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا المعنى: لَمَتاع الحياة الدنيا، و «ما» زائدة. وقرأ عاصم، وحمزة: «لَمّا» بالتشديد، فجعلاه بمعنى «إِلاّ» والمعنى: إِنّ ذلك يُتمتَّع به قليلاً ثم يزول وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ خاصّة لهم.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)

(١) البقرة: ٢١٧.
(٢) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٦/ ٧٤: استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن السقف لاحق لرب العلو، لأن الله تعالى جعل السقوف للبيوت كما جعل الأبواب لها. وهذا مذهب مالك رحمه الله.
قال ابن العربي: وذلك لأن البيت عبارة عن قاعة وجدار وسقف وباب. فمن له البيت فله أركانه ولا خلاف أن العلو له إلى السماء. واختلفوا في السفل، فمنهم من قال: هو له ومنهم من قال: ليس له في باطن الأرض شيء. وفي مذهبنا القولان. ومن أحكام العلو والسفل: إذا كان العلو والسفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه فذكر سحنون عن أشهب أنه قال: إذا أراد صاحب السفل أن يهدم، أو أراد صاحب العلو أن يبني علوه فليس لصاحب السفل أن يهدم إلا من ضرورة. ويكون هدمه له أرفق لصاحب العلو، لئلا ينهدم بانهدامه العلو، وليس لربّ العلو أن يبني على علوه شيئا لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر بصاحب السفل. وحجة مالك وأشهب، حديث النعمان بن بشير عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا». أخرجه البخاري ٢٤٩٣ وغيره. وفيه دليل على استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

صفحة رقم 77

قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يُعْرَضْ، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والفراء، والزجاج. والثاني: يَعْمَ، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال عطاء، وابن زيد.
والثالث: أنه البَصَر الضعيف، حكاه الماوردي. وقال أبو عبيدة: تُظْلِمْ عينه عنه. وقال الفراء: من قرأ:
«يَعْشُ»، فمعناه: يُعْرِضْ، ومن نصب الشين، أراد: يَعْمَ عنه قال ابن قتيبة: لا أرى القول إلاّ قولَ أبي عبيدة، ولم نر أحداً يجيز «عَشَوْتُ عن الشيء» : أعرضتُ عنه، إِنما يقال: «تَعاشَيْتُ عن كذا»، أي:
تغافلتُ عنه، كأنِّي لم أره، ومثلُه: تعامَيْتُ، والعرب تقول: «عَشَوْتُ إِلى النار» : إِذا استدللتَ إِليها ببصر ضعيف، قال الحطيئة:
متَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نَارِهِ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
ومنه حديث ابن المسّيب: «أن إحدى عينَيْه ذهبتْ، وهو يَعْشُو بالأًخرى»، أي: يُبْصِر بها بصراً ضعيفاً. قال المفسرون: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ فلم يَخَف عِقابه ولم يلتفت إِلى كلامه نقيِّضْ له أي: نسبب له شيطاناً فنجعل ذلك جزاءَه فهو له قرين لا يفارقه. وَإِنَّهُمْ يعني الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ يعني الكافرين، أي: يمنعونهم عن سبيل الهدى وإِنما جمع، لأن «مَنْ» في موضع جمع، وَيَحْسَبُونَ يعني كفار بني آدم إِنَّهُمْ على هدىً. حَتَّى إِذا جاءَنا وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «جاءنا» واحد، يعني الكافر. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «جاءانا» بألفين على التثنية، يعنون الكافر وشيطانه. وجاء في التفسير أنهما يُجعلان يومَ البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يًصَيِّرَهما الله إِلى النار، قال الكافر للشيطان: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ أي: بُعْدَ ما بين المَشْرِقَيْن وفيهما قولان: أحدهما: أنهما مَشْرِقُ الشمس في أقصر يوم في السنة، ومَشْرِقُها في أطول يوم، قاله ابن السائب، ومقاتل. والثاني: أنه أراد المَشْرِق والمَغْرِب، فغلَّب ذِكْر المَشْرِق، كما قالوا: سُنَّة العُمَرَيْن، يريدون: أبا بكر وعمر، وأنشدوا من ذلك:
أَخَذْنا بِآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ... لَنا قَمراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ «١»
يريد: الشمس والقمر وأنشدوا:
فَبَصْرَةُ الأزّدِ مِنَّا والعِراقُ لَنا... والمَوْصِلانِ ومِنَّا مِصْرُ والحَرَمُ
يريد: الجزيرة والموصل، وهذا اختيار الفراء، والزجاج.
قوله تعالى: فَبِئْسَ الْقَرِينُ أي: أنتَ أيُّها الشَّيطان. ويقول الله عزّ وجلّ يومئذ للكفار: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أي: أشركتم في الدنيا أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ أي: لن ينفعكم الشِّركة في العذاب، لأن لكل واحد منه الحظَّ الأوفر. قال المبرِّد: مُنِعوا روح التَّأسِّي، لأن التَّأسِّيَ يُسهِّل المُصيبة، وأنشد للخنساء أخت صخر بن مالك في هذا المعنى:
ولَوْلا كَثْرَةُ الباكينَ حَوْلِي... على إِخْوانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وما يَبْكُونَ مِثْلَ أخي ولكِنْ... أُعَزِي النَّفْسَ عَنْهُ بالتَّأسِّي
وقرأ ابن عامر: «إِنَّكم» بكسر الألف. ثم أخبر عنهم بما سبق لهم من الشَّقاوة بقوله: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ... الآية.

(١) البيت للفرزدق، ديوانه: ٥١٩، و «الكامل» ١٢٤.

صفحة رقم 78
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية