
فذلك حيث يقول: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ (١).
قال مقاتل: يعني يقول يتمنى الكافر أن بينهما بعد المشرقين، وأطول يوم في السنة إلى مشرق أقصر يوم في السنة (٢). ويقال: إنه أراد المشرق والمغرب فقال: المشرقين، وهذا أشبه الوجهين بالصواب؛ لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما كما قال الفرزدق:
لنا قَمَرَاها والنّجومُ والطَّوَالِعُ (٣)
يريد: الشمس والقمر، ويقولون للكوفة والبصرة: البصرتان، وللجزيرة والموصل: الموصلان، الغداة (٤) والعصر، ومثله كثير، واختاره أبو إسحاق فقال: غلب لفظ المشرق كما قالوا سُنَّة العمرين يراد: سنة أبي بكر وعمر رحمة الله عليهما (٥).
قوله تعالى: ﴿فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ أي: أنت، قال مقاتل والكلبي: فبئس المصاحب معه في النار في سلسلة واحدة (٦)، ويقول الله للكافر في ذلك اليوم.
٣٩ - ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ﴾ أي: أشركتم في الدنيا، قاله ابن عباس ومقاتل.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٥ بلفظ (يعني ما بين مشرق الصيف إلى مشرق الشتاء أطول يوم في السنة، وأقصر يوم في السنة).
(٣) انظر: "ديوان الفرزدق" ص ٥١٩، "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٣٣، "تفسير الطبري" ١٣/ ٧٤، "تهذيب اللغة" (عني) ٣/ ٢١٤، "تفسير ابن عطية" ١٤/ ٢٥٩.
(٤) في "تفسير الثعلبي" (ويقال الغداة والعشي العصران) ١٠/ ٨٤ أ.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤١٢.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٥، "تنوير المقباس" ص ٤٩٢.

قال عطاء: لن ينفعكم اليوم هذا الكلام، يعني قوله: يا ليت بيني وبينك، وقال مقاتل: لم ينفعكم اليوم في الآخرة الندم والاعتذار (١)، وهذا إنما يصح أن لو قرئ: (إِنكم في العذاب) بكسر الهمزة على الابتداء، وإذا فتحت الهمزة تفسير للذي لا ينفعهم، وهو اشتراكهم مع شياطينهم في العذاب.
وذكر ابن مجاهد أن ابن عامر قرأ ﴿إِنَّكُمْ﴾ بكسر الألف (٢)، وهو صحيح على ما ذكرنا من قول ابن عباس ومقاتل، وهو على إضمار فاعل ينفعكم، والفاعل ما ذكراهما، والمعنى: ولن ينفعكم اليوم التبرؤ إذ ظلمتم أمس، ودل على التبرؤ قوله: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ والفاعل قد يضمر إذا دلت عليه الحال كقولهم: إذا كان غدًا فأتني، وعلى هذه القراءة ﴿إِنَّكُمْ﴾ ابتداء كلام، ومن إضمار الفاعل في التنزيل قوله: ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ [آل عمران: ١٧٣] أي زادهم قولُ الناس إيمانًا، وقرأه العامة: ﴿أَنَّكُمْ﴾ بفتح الهمزة.
قال المفسرون: لا يخفف الاشتراك عنهم؛ لأن لكل أحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب (٣).
قال المبرد فيما حكى عنه الزجاج: أنهم مُنِعوا روح التأسي، [لأن التأسي] (٤) يسهل المصيبة، فأعْلموا أنه لن ينفعهم الاشتراك في العذاب، فإن الله لا يجعل لهم فيه أسوة (٥).
(٢) انظر: كتاب: السبعة لابن مجاهد ص ٥٨٦، "الحجة" ٦/ ١٥٥.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٧٥، "الثعلبي" ١٠/ ٨٤ أ، "البغوي" ٧/ ٢١٤.
(٤) (لأن التآسي) ساقط من الأصل وهي هكذا عند الزجاج.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤١٢.