آيات من القرآن الكريم

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

والأشراف منهم. فسلك فعلهم سبيل من كان قبلهم من الأمم المكذبة.
ومعنى " مقتدون " أي: تقتدي بفعلهم، فاتبعوهم على الكفر.
ثم قال تعالى: ﴿قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ﴾، أي: قل يا محمد لهؤلاء المتبعين ما وجدوا عليه آباءهم من الدين، أَوَلَوْا جِئْتُكُمْ أيها المشركون - من عند ربكم - بأهدى مما كان عليه آباؤكم من (الدين تتبعون) ما وجدتم عليه آباءكم، وغيره أهدى إلى الحق وأصوب منه!
ثم قال تعالى: ﴿قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾، أي: فقال محمد ﷺ ذلك لهم فقالوا: إنا بما أرسلتم به كافرون، أي: جاحدون منكرون.
وجمع في قوله: " أرسلتم " لأن من كذب نبياً فقد كذب جميع الأنبياء.
ثم قال تعالى: ﴿فانتقمنا مِنْهُمْ﴾، أي: فانتقمنا من هؤلاء الذين كذبوا رسلهم، فانظر يا محمد كيف كان عاقبة المكذبين، فكذلك ننتقم من قومك إن تمادوا على تكذيبك.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ﴾ - إلى قوله - ﴿خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، " براء " مصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. تقول:

صفحة رقم 6647

نحن البراء منك، وهي البراء منك.
والمعنى / أنني ذو البراء منك، ونحن ذو البراء كما تقول: رجل عدل، (وامرأة عدل، وقوم عدل)، أي: ذوو عدل. ونظيره: ﴿ولكن البر مَنْ آمَنَ﴾ [البقرة: ١٧٧]، أي: ولكن ذو البر.
وقرأ ابن مسعود: " إنني بريء " على " فعيل ". فتجوز التثنية والجمع والتأنيث على هذه القراءة.
وجمعه في التكسير: " بُرَآء " (ك " كُرَمَاء ").

صفحة رقم 6648

وحكى الكوفيون " براء " على حذف الياء وهو شاذ.
وقوله: ﴿إِلاَّ الذي فَطَرَنِي﴾، هذا استثناء من قوله " مما تعبدون ".
ويجوز أن يكون ايتثناء ليس من الأول منقطعاً.
ومعنى الآية: واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إذ كانوا يعبدون ما بعيد قومك: إنني براء مما تعبدون من دون الله، إلا من الذي فطرني، أي: خلقني، فإني لا أبرأ منه.
﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾، أي سيقونا للحق في ديني.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾.
قال قتادة: الكلمة هي شهادة ألا إله إلا الله، لم يزل في ذريته من يقولها من بعده، وقاله السدي، وقال ابن زيد: الكلمة: الإسلام، وهو قوله: ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين﴾ [البقرة: ١٣١].

صفحة رقم 6649

وقال: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ﴾ [الحج: ٧٨]، وقال: ﴿واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً﴾ [البقرة: ١٢٨].
والضمير في قوله: ﴿وَجَعَلَهَا﴾ عائد على قوله: ﴿إِلاَّ الذي فَطَرَنِي﴾ وضمير الفاعل يعود على الله جل ذكره، أي: وجعلها الله سبحانه كلمة باقية في عقب إبراهيم، فلا يزال من ولد إبراهيم من يوحد الله.
وقيل: الضمير المرفوع يعود على إبراهيم، أي: وجعل إبراهيم الكلمة باقية في عقبه، أي: عرفهم التوحيد والبراءة من كل معبود سوى الله وأوصاهم به، وهو قوله: ﴿ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ...﴾ [البقرة: ١٣٢] الآية. فتوارثوا ذلك فلا يزال من ذريته موحد لله.

صفحة رقم 6650

ويقال عَقِبَ وعقب، بمعنى واحد. والعَقِبُ هنا: الولد في قول مجاهد.
وقال ابن عباس: العقب هنا من يأتي بعده.
وقال السدي: في عقب إبراهيم: آل محمد ﷺ.
وقال ابن شهاب: العقب: " الولد، وولد الولد ".
وقال ابن زيد: " عقبه: ذريته ".
وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، معناه يرجعون إلى طاعة ربهم ويتوبون إليه.
﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الذي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، أي: قال لهم ذلك لعلهم يتوبون عن عبادة غير الله. ففي الكلام تقديم وتأخير.
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَآبَآءَهُمْ حتى جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ﴾، أي: بل منعت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك وَمَتَّعْتُ آباءهم من قبلهم بالحياة ولم أعاجلهم (بالعقوبة على كفرهم حتى جاء الحق، يعني: القرآن، ورسول مبين،

صفحة رقم 6651

يعني: محمد ﷺ، لم أعاجلهم)، بالعذاب حتى أنزلت عليهم كتاباً وبعثت فيهم رسولاً يعرفونه، يبين لهم الحجج والبراهين ويبلغ اليهم ما أرسل به.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق قَالُواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾، أي: ولما جاء هؤلاء المشركين القرآن إعذاراً وإنذاراً، ورسول منهم يبين ما أرسل به ويبلغه إليهم، قالوا: هذا الذي جاءنا به سحر، وليس بوحي من عند الله، وقالوا إنا به جاحدون، أي: ننكر أن يكون من عند الله.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾، أي: وقال مشركو قريش هلا نزل هذا القرآن الذي جاءنا به محمد على رجل من القريتين، (أي: القريتين، ثم) حذف، مثل: ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢]، يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة، وحبيب بن عمرو الثقفي من أهل الطائف، قاله ابن عباس.

صفحة رقم 6652

وقيل: التقدير: من إحدى القريتين، ثم حذف.
وقال مجاهد: هما: عتبة بن ربيعة من مكة، وابن عبد ياليل من الطائف.
وقال قتادة: هما: الوليد بن المغيرة من أهل مكة و (عنبة بن مسعود من أهل الطائف.
وقيل هو) عروة بن مسعود من أهل الطائف، والوليد بن المغيرة من أهل مكة، قاله ابن زيد.
وقال السدي: هما الوليد بن المغيرة من أهل مكة، وكنانة (ابن عبد بن عمرو بن) عمير من أهل الطائف.
وعن مجاهد أنهما: عتبة بن ربيعة من أهل مكة، وأبو مسعود الثقفي من أهل

صفحة رقم 6653

الطائف، واسم أبي مسعود (عمير بن عمر) بن مسعود.
وقيل: هما الوليد بن بن المغيرة من أهل مكة، وأبو سعيد عمر بن عمير الثقفي سيد ثقيف. ثم قال تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ (أي: أهؤلاء القائلون هلا نزل القرآن على أحد رجلي القريتين يقسمون رحمة ربك) يا محمد بين خلقه، فيجعلون إكرامه لمن شاءوا، وعند من أرادوا، بل الله يقسم ذلك فيعطيه من أراد، ويحرمه من شاء.
قال ابن عباس: لما بعث الله جل ذكره محمداً ﷺ أنكرت العرب ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله / بشراً مثل محمد، فأنزل الله جل ذكره: {أَكَانَ

صفحة رقم 6654

لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس} [يونس: ٢] وقال: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ فاسألوا أَهْلَ الذكر﴾ [النحل: ٤٣]، يعني: أهل الكتب الماضية فيخبرونكم أن الرسل التي كانت تأتي، بشر مثلكم، فلا يجب لكم أن تنكروا إرسال مثل محمد إليكم، إذ هو بشر مثلكم. وقال: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى﴾
[يوسف: ١٠٩]، أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم فال: فلما كرر (عليهم تعالى) الحُجَج، قالوا: فإن كان بشراً فغير محمد أحق بالرسالة فلولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، أي: كل واحد منهما أشرف من محمد في المال والذكر، يعنون: الوليد بن المغيرة المخزومي - وكان يسمى ريحانة قريش - من أهل مكة، ومسعود بن عمرو بن عبيد الثقفي من أهل الطائف، قال الله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾، أي: ربك يا محمد يفعل ما يشاء.
قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا﴾، أي: نحن نقسم الرحمة بين من شئنا من خلقنا فنجعل من شئنا نبياً، ومن شئنا مؤمناً، ومن شئنا كافراً، كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون فيها في دنياهم، فجعلنا بعضهم أرفع من بعض، فوسعنا على بعض وضيقنا على بعض، وجعلنا بعضهم ملوكاً وبعضهم مملوكين.

صفحة رقم 6655
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية