
الْقُرْآنِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مُعَادٌ فِي اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ دَلَالَةِ قَوْلِهِ: كِتاباً.
ومُسْتَمْسِكُونَ مُبَالَغَةٌ فِي (مُمْسِكُونَ) يُقَالُ: أَمْسَكَ بِالشَّيْءِ، إِذَا شَدَّ عَلَيْهِ يَدَهُ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي مَعْنَى الثَّبَاتِ عَلَى الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [الزخرف: ٤٣].
[٢٢]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٢٢]
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)
هَذَا إِضْرَابُ إِبْطَالٍ عَنِ الْكَلَامِ السَّابِقِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [الزخرف: ٢١] فَهُوَ إِبْطَالٌ لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ فِيمَا قَالُوهُ وَلَا نَقْلٌ. فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ مَسُوقًا مَسَاقَ الذَّمِّ لَهُمْ إِذْ لَمْ يُقَارِنُوا بَيْنَ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ وَبَيْنَ مَا تَلَقَّوْهُ مِنْ آبَائِهِمْ فَإِنَّ شَأْنَ الْعَاقِلِ أَنْ يُمَيِّزَ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَيَعْرِضَهُ عَلَى مِعْيَارِ الْحَقِّ.
وَالْأُمَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٩٢] إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَهَلْ يَأْثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وَهُوَ طَائِعُ أَيْ ذُو دِينٍ.
وعَلى اسْتِعَارَةُ تَبَعِيَّةٌ لِلْمُلَابَسَةِ وَالتَّمَكُّنِ.
وَقَوْلُهُ: عَلى آثارِهِمْ خَبَرُ (إِنَّ). ومُهْتَدُونَ خَبَرٌ ثَانٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلى آثارِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِ مُهْتَدُونَ بِتَضْمِينِ مُهْتَدُونَ مَعْنَى سَائِرُونَ، أَيْ أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ إِلَّا تَقْلِيدُ آبَائِهِمْ، وَذَلِكَ مَا يَقُولُونَهُ عِنْدَ الْمُحَاجَّةِ إِذْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ. وَجَعَلُوا اتِّبَاعَهُمْ إِيَّاهُمُ اهْتِدَاءً لِشِدَّةِ غُرُورِهِمْ بِأَحْوَالِ آبَائِهِمْ بِحَيْثُ لَا يتأملون فِي مصادفة أَحْوَالهم للحق.