آيات من القرآن الكريم

أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً} [الزخرف: ١٩] يدل على صحة قول مجاهد والسدي.
وقوله: ﴿إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾، أي: إن الإنسان لجحود لنعم ربه، يتبين كفرانه للنعم لمن تأمله بفكر قلبه، وتدبر حاله. وهو هنا الكافر.
(ثم قال تعالى: ﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾، إلى قوله: ﴿عَاقِبَةُ المكذبين﴾، معناه، لم يتخذ ذلك فأنتم أيها المشركون مبطلون في قولكم (تعالى عن ذلك علواً) كبيراً.
وهذا لفظ استفهام معناه التوبيخ، أي: كيف يتخذ البنات على قولكم وأنتم (لا ترضونهن) لأنفسكم (أفأصفاكم واختصكم) بالبنين.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً﴾ أي: وإذا بشر أحدكم هؤلاء الجاعلين لله سبحانه من عباده جزءاً بما وصف ربه به من اتخاذ البنات سبحانه وتعالى صار وجهه مسوداً وهو كظيم، أي حابس لغمه وحزنه وكربه.

صفحة رقم 6640

قال قتادة: " وهو كظيم، أي: حزين ".
ثم قال: ﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ﴾ " من " في موضع رفع بالابتداء.
ويجوز أن يكون في موضع نصب ترده على ﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ فتبدله من البنات.
ويجوز أن يكون في موضع خفض (تبدله من " ما ") في قوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً﴾.
وفي جواز هذين الوجهين في البدل ضعف لدخول ألف الاستفهام قبل " من " فهي تحول بين البدل والمبدل منه.
والمعنى: أجعلتم لله جزءاً ممن يرى في الحلية ويتزين بها، وهو في مخاصمة

صفحة رقم 6641

من خاصمه غير مبين لحجته وبرهانه لعجزه وضعفه. ففي الكلام حذف استغني عنه - بدلالة ما ذكر بعده.
والتقدير: أو من ينشأ في الحلية يجعلون لله نصيباً. قال ابن عباس: عنى بذلك المرأة.
وقال مجاهد: " رخص للنساء في الحرير والذهب، وهن الجواري؛ جعلوهن للرحمن ولداً؛ كيف يحكمون ".
وقال قتادة: وقوله: ﴿وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ﴾ يعني النساء فقلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.

صفحة رقم 6642

وقال ابن زيد (عنى) بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، يضربونها من (فضة وذهب) ويعبدونها، فهم أنشؤوها ضربوها من تلك الحلية ثم عبدوها، وهي لا تتكلم ولا تبين عن نفسها شيئاً.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً﴾، أي: ووصفوا الملائكة بهذا الوصف.
فجعل هنا بمعنى " وصف " تقول: جعلت فلان أعلم الناس /، أي: وصفته بهذا يتعدى إلى مفعول واحد (في الأصل).
ثم قال: ﴿أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ﴾ هذا على التقرير والتوبيخ لهم، ومعناه: لم يشهدوا خلق الملائكة، فكيف تجرؤوا على وصفهم بالإناث.
ثم قال تعالى: على التهدد والوعيد لمن فعل ذلك (ولمن يقول ذلك): ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾، أي: يسألون عن قولهم وافترائهم يوم القيامة، ولن يجدوا إلى الاعتذار من قولهم سبيلاً.

صفحة رقم 6643

ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾، أي: وقال هؤلاء المشركون: لو شاء الرحمن، ما عبدنا أوثاننا من دونه، وإنما لم تحل بنا العقوبة على عبادتنا إياها لرضاه عنا.
قال مجاهد: لو شاء الرحمن ما عبدناهم يعني الأوثان، والمعنى: هو أمرنا بعبادتها، دل على ذلك: قوله: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾، أي: يكذبون. فهذا الرد عليهم لا يحتمل أن يكون رد الظاهر من قولهم: ﴿وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾، لأنه قول صحيح لا يرد ولا ينكر. كما أن قولهم - إذا سُئِلُوا عمن خلق السماوات والأرض فقالوا خلقهن العزيز العليم لا يرد ولا ينكر.
ثم قال تعالى: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ هذا مردود إلى أول الآية.
والتقدير: ﴿وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً﴾ ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾، أي: ما لهم بقولهم الملائكة إناثاً من علم، وقيل: إن ذلك مردود على ما قبله، والتقدير: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدنا هذه الأوثان، ثم قال الله: ما لهم بذلك من علم، أي: من عذر يقوم لهم في عبادتهم الأوثان لأنهم رأوا أن ذلك

صفحة رقم 6644

عذرهم. فرد الله تعالى عليهم.
فالمعنى: ما لهم من علم بحقيقة ما يقولون: (من ذلك)، إنما يقولونه تخرصاً واختراعاً من عند أنفسهم لأنهم لا خبر عندهم من الله تعالى أن الله سبحانه شاء عبادتهم الأوثان، ورضي بذلك منهم.
ثم قال تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾، أي: يخرصون ويكذبون في قولهم: لو شاء الرحمن ما عبدنا هذه الأوثان.
ثم قال تعالى: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ أي: آتينا هؤلاء المتخرصين كتاباً يدل على حقيقة ما يقولون فيحتجون به.
والهاء في " من قبله " تعود على القرآن.
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَآءَابَآءَنَا على أُمَّةٍ﴾، أي: لم يأتهم كتاب بعبادتهم الأوثان ولكنهم قالوا: إنا وجدنا آباءنا على دين وملة، فنحن نتبع ما كانوا عليه.
وقرأ مجاهد وعمر بن عبد العزيز " على إمّةٍ " بكسر الهمزة قال الكسائي:

صفحة رقم 6645

هما لغتان وقال غيره: هو مصدر أممت القوام إمة.
وحكي عن العرب: " ما أحسن إِمَّتَهُ وعِمَّته وجِلسته ".
ثم قال: ﴿وَإِنَّا علىءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾، أي: قالوا: وجدنا آباءنا على دين، فنحن متبعون لما كانوا عليه. هذا كله حكاية عن قريش.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآءَابَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا علىءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾، أي: كما قال لك (يا محمد قومك) إنهم متبعون في دينهم لما كان عليه آباؤهم كذلك قال من كان قبلهم من مترفي الأمم لرسلهم الذين ينذرونهم من عقاب الله تعالى. والمترفون: الرؤساء

صفحة رقم 6646
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية