
قال عبد الله بن عمرو: ففيم العمل إذا يا رسول الله؟ فقال: اعملوا وسدّدوا وقاربوا فإنّ صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أيّ عمل. وإنّ صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أيّ عمل ثم قال فريق في الجنة فضل من الله وفريق في السعير عدل من الله» »
. والحديث على الأرجح مدني والآية مكية وإذا صح فإن المتبادر منه أولا: أن عبارة (كتابان) في يمينه ويساره هي بسبيل التمثيل وليست بسبيل كتابين حقيقيين فيهما جميع أسماء بني البشر في جميع أدوار الدنيا.
وثانيا: إنه بسبيل التنبيه على سبق علم الله الأزلي بأهل الجنة وأهل النار وليس في نصه ولا روحه ما ينتقض ما تبادر لنا من الآية الثانية.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٩ الى ١٢]
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)
. (١) يذرؤكم: يكثركم وينميكم أو يخلقكم ويظهركم.
في الآية الأولى تساؤل استنكاري عن اتخاذ المشركين أولياء من دون الله، ورد تقريري بأن الله هو وحده الجدير بالولاء لأنه هو الذي يحيي الموتى وهو القدير على كل شيء.
وفي الآية الثانية بيان صادر عن النبي ﷺ موجه إلى الناس أو على الأرجح إلى الكفار بقصد إشهاد الله وتحكيمه فيما بينه وبينهم من خلاف، فإلى

الله تعالى مرجع كل شيء وهو الحكم العدل بين الناس فيما اختلفوا فيه وهو ربّه الذي عليه يتوكل وإليه ينيب ويستند، وينطوي في البيان معنى الوثوق واليقين بأن النبي ﷺ هو على حق في الخلاف القائم بينه وبين المشركين كما هو المتبادر.
وجاءت الآيتان الأخريان للبرهنة على استحقاق الله وحده الولاء والاعتماد والإنابة والربوبية الشاملة جريا على الأسلوب القرآني: فهو الذي خلق السموات والأرض، وجعل للناس أزواجا من أنفسهم لينموا ويكثروا، وخلق لهم من الأنعام أزواجا كذلك. وهو الذي لا يماثله شيء في عظمته وقدرته وصفاته وكنهه السميع لكل شيء البصير بكل شيء الذي في يده تصريف السموات والأرض وبسط الرزق وقبضه وفقا لمقتضيات علمه وحكمته لأنه عليم بكل شيء.
والمتبادر أن الآيات جاءت معقبة على الآيات السابقة ومؤكدة لها. والآية الثانية كما قلنا موجهة مباشرة من النبي ﷺ إلى المخاطبين وفي مثل هذه الحالة يفرض محذوف بعد كلمة (من شيء) وهو (قل) فيتسق حينئذ الفصل القرآني.
وهذا مما جرى عليه الأسلوب القرآني وقد مرّ منه أمثلة عديدة.
وجملة وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ موجهة إلى مخاطبين حاضرين. وتحتمل أن يكون التوجيه فيها مطلقا وتحتمل أن يكون خاصا لفريق في موقف من المواقف. وروح الفصل والآيات السابقة معا التي تستعمل ضمير الغائب بالنسبة للكفار تجعلنا نرجح الإطلاق في التوجيه.
تعليق على جملة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وجملة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ- وإن جاءت في مقامها لتنفي أي احتمال للتماثل بين الله تعالى في قدرته وعظمته وشمول تصرفه وحكمته وكمال صفاته وبين أي كان ممن يتخذهم المشركون شركاء له في الدعاء والعبادة وفي معرض