آيات من القرآن الكريم

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

العزيز، الحكيم، مالك السموات والأرض ومن فيهما، العلي، العظيم، الغفور، الرحيم، الحفيظ.
٣- تكاد السموات يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن.
٤- تلازم الملائكة التسبيح (أي تنزيه الله عما لا يجوز في وصفه وما لا يليق بجلاله) والتحميد، خضوعا لما يرون من عظمة الله، ويستغفرون للمؤمنين من الذنوب والخطايا، والله سبحانه له المغفرة المطلقة والرحمة المطلقة.
٥- الله هو الذي يحفظ أعمال المشركين الذين اتخذوا أصناما من غير الله يعبدونها، ليجازيهم بها، وليس النبي صلّى الله عليه وسلّم بموكل على أحد في هدايته وقسره على الإيمان، وإنما الإيمان أمر اختياري، والرسول مجرد مبلّغ ناصح، وليس في قدرته أن يحملهم على الإيمان.
مقاصد الوحي الإلهي
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٧ الى ١٢]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)

صفحة رقم 28

الإعراب:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا الكاف في كَذلِكَ مفعول به، وقُرْآناً عَرَبِيًّا: حال منه.
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ذلِكُمُ: في موضع رفع مبتدأ، واللَّهِ: عطف بيان، ورَبِّي: صفة لله، وخبر المبتدأ: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
وفاطِرُ السَّماواتِ... مرفوع إما خبر بعد خبر، أو صفة، أو بدل، أو خبر مبتدأ محذوف أي: هو فاطر السموات والأرض، أي مبدعهما.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الكاف: إما زائدة، أي ليس مثله شيء، أو غير زائدة والمراد بالمثل الذات، يقال: مثلي لا يفعل هذا، أي أنا لا أفعل هذا.
البلاغة:
لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى مجاز مرسل، أي لتنذر أهل مكة. وكما حذف كلمة «أهل» حذف المنذر به وهو العذاب، أي لتنذر أهل مكة العذاب، وهذا يقال له (احتباك) وهو حذف من كل نظير ما أثبته في الآخر.
الْجَنَّةِ والسَّعِيرِ، يَبْسُطُ وَيَقْدِرُ بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
وَكَذلِكَ أي مثل ذلك الإيحاء، فالإشارة إلى مصدر يوحي أو إلى معنى الآية المتقدمة لِتُنْذِرَ تخوف به أُمَّ الْقُرى أي أهل أم القرى وهي مكة، كأنها أصل للقرى التي حولها، وقد ثبت علميا أنها فعلا في مركز قطب الدائرة الأرضية وَمَنْ حَوْلَها من العرب وسائر الناس يَوْمَ الْجَمْعِ يوم القيامة الذي تجتمع فيه الخلائق لا رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه وهو جملة اعتراضية فَرِيقٌ منهم أي جماعة فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أي النار المستعرة، أي بعد جمعهم في الموقف يفرقون فريقين.
أُمَّةً واحِدَةً على دين واحد إما مهتدين أو ضالين وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أي بالهداية والتوفيق إلى الطاعة وَالظَّالِمُونَ الكافرون ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أي لا يدعمهم

صفحة رقم 29

ولي يتولى أمورهم، ولا نصير يدفع عنهم العذاب. وتغيير الجملة من فعلية إلى اسمية، للمبالغة في الوعيد.
أَمِ اتَّخَذُوا بل اتخذوا، أي أن أَمِ منقطعة بمعنى «بل» للانتقال من كلام إلى كلام أو من معنى إلى معنى، والهمزة: استفهامية يراد بها الإنكار، أي ليس المتخذون أولياء مِنْ دُونِهِ أي الأصنام ونحوها وأَوْلِياءَ نصراء أعوان فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ أي المعين الناصر للمؤمنين، وهذا جواب شرط محذوف مثل: إن أرادوا وليا بحق، فالله هو الولي بالحق، لاولي سواه وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كالتقرير لكونه حقيقا بالولاية.
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ أي ما اختلفتم أنتم والكفار في أمر من أمور الدين أو الدنيا فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي حكمه مردود إلى الله يوم القيامة، يفصل بينكم بالإثابة والمعاقبة، أو مفوض إلى الله يميز الحق من المبطل بالنصر في الدنيا عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فوضت في مجامع الأمور، ورد كيد أعداء الدين وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أرجع في المشكلات وفي كفاية شرهم.
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خالقهما ومبدعهما لا على مثال سبق مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم أَزْواجاً نساء وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجا، واقتصر على الأنعام للتغليب على سائر الحيوانات يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يكثركم، يقال: ذرأ الله الخلق: كثرهم، وفِيهِ في هذا التدبير وهو جعل الأزواج للناس والأنعام، وضمير يَذْرَؤُكُمْ راجع إلى المخاطبين والأنعام، مغلبا فيه العقلاء.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الكاف زائدة، أي ليس مثله شيء في ذاته وصفاته وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لكل ما يسمع ويبصر، أو يقال ويفعل.
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ مفاتيح خزائنها من المطر والنبات وغيرهما يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يوسعه لمن يريد امتحانا وَيَقْدِرُ يضيقه لمن يريد ابتلاء.
المناسبة:
بعد بيان كون الله هو الرقيب على أحوال المشركين وأعمالهم، ذكر الله تعالى توجيهات لنبيه والمؤمنين، وهي إنزال القران بلغة العرب ليفهمه أهل مكة ومن حولها، وقسمة الناس في الآخرة فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وجعل الإيمان اختياريا غير قسري ولا جبري، ورد المختلف فيه إلى الله،

صفحة رقم 30

والاستدلال على قدرته بخلق السموات والأرض، وتصرفه فيهما وانفراده بملك خزائنهما، وخلق الأزواج ذكورا وإناثا من الناس والأنعام وغيرها.
التفسير والبيان:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها أي ومثل ذلك الإيحاء إلى الأنبياء السابقين بلغات أقوامهم، أوحينا إليك قرآنا عربيا، لتخوف به من عذاب الله وشؤون الدنيا والآخرة أهل مكة (أم القرى) ومن حولها من العرب وسائر الناس، لأن رسالتك عامة للبشرية قاطبة، كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ، بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ ٣٤/ ٢٨]. وإنما خص أهل مكة ومن حولها، فلأنهم المخاطبون بالرسالة أولا ليكونوا حملتها إلى الناس جميعا.
وأما تأييد الآية في تنوع الرسالات على وفق لغات الأقوام والأمم، فهو قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم ١٤/ ٤].
وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أي وتنذر به أيضا يوم القيامة الذي تجتمع الخلائق فيه، وتقترن الأرواح بالأجساد، والذي لا شك في وقوعه، ثم إنهم بعد الجمع والحساب يفرّقون فريقين: فريق يدخل الجنة لإيمانه بالله ورسوله وكتابه، والإحسان عمله في الدنيا، وفريق آخر يزجّ به في نار جهنم المسعرة على أهلها، لكفرهم بالله ورسوله وقرآنه.
ونظير الآية قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ [التغابن ٦٤/ ٩] أي يغبن في الكافر بتركه الإيمان، والمؤمن بتقصيره في الإحسان وقوله سبحانه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ

صفحة رقم 31

النَّاسُ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ، يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
[هود ١١/ ١٠٣- ١٠٥].
ثم أبان الله تعالى مبدأ حرية الإيمان لتسلية رسوله عما يقاسي من كفر قومه، فقال:
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ، وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أي لو أراد الله لجعل الناس جميعا أهل دين واحد، إما على هدى، وإما على ضلالة، ولكن اختلفوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية، وبمقتضى العلم الأزلي بما يختاره الإنسان، فيكون إما مؤمنا وإما كافرا، والله تعالى حكيم لا يفعل إلا ما فيه المصلحة، فمن علم منه اختيار الهدى والدين الحق وهو الإسلام، هداه ووفقه إليه، فيدخله بذلك في جنته، ومن علم منه اختيار الضلال والكفر، أضلّه، فيدخله بذلك في السعير، وهؤلاء هم الظالمون الكافرون المشركون الذين ليس لهم ولي يدفع عنهم العذاب، ولا نصير ينصرهم يوم الحساب والعقاب.
وهذه الآية تقرير للآية السابقة: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي ليس في قدرته حملهم على الإيمان، وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى.
والآية أيضا تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما كان يكابده ويعانيه من كفر قومه وإعراضهم عن دعوته، وكأنه تعالى يقول له: لا تأس ولا تحزن على عدم إيمانهم، فالهداية والضلالة تابعتان للمشيئة الإلهية، فمن سبقت له السعادة فهو السعيد، ومن سبقت له الشقاوة فهو الشقي. ويكون موضوع الآية مثل آية: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف ١٨/ ٦].
لهذا أمر الله نبيه بعدم الاهتمام بهم بسبب وثنيتهم وشركهم، فقال:

صفحة رقم 32

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ، وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي بل اتخذ هؤلاء الكافرون آلهة يعبدونها من دون الله، من الأصنام والأوثان، زاعمين أنهم أعوان لهم ونصراء، فإن أرادوا وليا ناصرا بحق، فالله هو الولي الحقيق بأن يتخذوه معينا وناصرا، لا تنبغي العبادة إلا له وحده، فإنه الخالق الرازق الضار النافع الناصر لمن أراد، وهو القادر على إحياء الموتى، وهو قدير بالغ القدرة على كل شيء مقدور.
أما الأصنام وكل من عدا الله فلا تملك في الحقيقة نفعا ولا ضرا، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً، لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج ٢٢/ ٧٣].
ثم بعد هذا النبذ للكفار، نهى الله تعالى عن منازعتهم في الدين، فقال:
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي مهما اختلفتم في شيء من جميع أمور الدين والدنيا، فإن حكمه ومرجعه إلى الله، فهو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا، وسوف يفصل فيه يوم القيامة بحكمه، فيظهر المحق من المبطل. والمقصود أن المؤمنين ممنوعون من الشروع مع الكفار في الخصومات والمنازعات، كما منع الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يحمل الكفار على الإيمان قهرا.
والآية مثل قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء ٤/ ٥٩].
ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم:
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي ذلكم الحاكم بهذا الحكم هو الله ربي، عليه وحده اعتمدت في جميع أموري، لا على غيره، وفوضته في كل شؤوني، وأرجع إليه تائبا من الذنوب، لا إلى غيره.

صفحة رقم 33

وهذا تعريف لهم بمصدر الخير الحقيقي ودفع الضرر، لا أصنامهم الجمادات.
وأسباب ذلك قدرته الخارقة، فقال تعالى:
١- فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خالقهما ومبدعهما من العدم، لا على مثال سبق، فهو الجدير بالعبادة.
٢- جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً، وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي أوجد وخلق لكم من جنسكم نساء لتسكنوا إليها، ويحدث التكاثر والتوالد، ويستمر بقاء النوع الإنساني، وخلق أيضا للأنعام من جنسها إناثا، حتى تتكاثر موارد المعيشة لبني الإنسان. أو خلق من الأنعام أصنافا من الذكور والإناث، لذا قال: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي يبثكم ويكثركم به أي بجعل الأزواج سبيلا للتكاثر. وقوله: فِيهِ أي في هذا التدبير، وهو جعل الأزواج من الناس والأنعام، فكأن هذا الجعل منبع التكاثر ومصدره.
٣- ٤- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أي ليس مثل الله شيء في ذاته وصفاته وحكمته وقدرته وعلمه، ومن حكمته التكاثر بالتزاوج، وهو السميع لكل الأصوات، البصير بالأمور، يسمع ويبصر الأشياء كلها صغيرها وكبيرها، ظاهرها وخفيها. وهذه الآية حجة في نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء، وحاصلا في المكان والجهة، إذ لو كان جسما لكان مماثلا لسائر الأجسام.
والآية أيضا حجة في نفي المثل لله تعالى.
أما قوله تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى [الروم ٣٠/ ٢٧]، فلا يعني إثبات المثل، لأن المراد بالمثل: هو الذي يكون مساويا للشيء في تمام الحقيقة والماهية، والمثل: هو الذي يكون مساويا للشيء في بعض الصفات الخارجة عن

صفحة رقم 34

الماهية، وإن كان مخالفا في الماهية «١».
٥- لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي له سبحانه خزائن السموات والأرض أو مفاتيحهما، يوسع الرزق لمن يشاء من خلقه، ويضيقه على من يشاء، وإنه تعالى عليم بكل شيء يحدث في الوجود، من إغناء وإفقار، وآثار ذلك على النفس والمجتمع، لا يريد بذلك إلا إجراء الحكمة والمصلحة.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى الحقائق التالية:
١- القرآن الكريم كما هو واضح عربي مبين، أوحى الله به إلى نبيه صلّى الله عليه وسلّم.
٢- غاية القرآن الإنذار والتبشير، إنذار الكفار بالنار، وتبشير المؤمنين بالجنة. ويشمل الإنذار أيضا مخاوف وأهوال يوم القيامة الذي لا شكّ في وقوعه، فهو كائن لا محالة، ولكن بعلم الله، وما أقرب حدوث القيامة إن نشبت حرب ذريّة عالمية، فالذّرة كفيلة بالقضاء على الأخضر واليابس.
٣- الناس يوم القيامة فريقان: فريق الجنة، وفريق النار، ولا ثالث لهما.
٤- إن مكة المكرمة هي أم القرى وعاصمة المدن، وأشرف سائر البلاد، وهي كما أثبت العلماء الحديثون في مركز قطب الدائرة للكرة الأرضية، وكانت أحبّ البلاد إلى قلب النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
أخرج الإمام أحمد والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه عن عبد الله بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول- وهو واقف

(١) تفسير الرازي: ٢٧/ ١٥٣.

صفحة رقم 35

بالحزورة في سوق مكة-: «والله إنك لخير أرض الله، وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».
٥- الله قادر على جعل الناس على دين واحد وملّة واحدة، أهل ضلالة أو أهل هدى، ولكن يدعهم وشأنهم في اختيار أي المنهجين شاؤوا، فأهل الهداية في الجنة، وأهل الضلالة في النار، وليس لهم ناصر ولا معين يدفع عنهم العذاب.
٦- لقد استحبّ المشركون الكفر على الهدى، واتّخذوا الأصنام معبودات وآلهة لهم من دون الله، ولكنهم خابوا وخسروا وأخطئوا، فالله هو المعبود بحقّ، لأنّه الناصر الولي الذي لا ولي سواه، وهو القادر على البعث، والقادر على كلّ شيء، وغيره عاجز لا يقدر على شيء، وليس محمد صلّى الله عليه وسلّم عليهم رقيبا ولا حافظا ولا مكلفا بأن يحملهم على الإيمان شاؤوا أم أبوا.
٧- لا داعي للاختلاف والتنازع بين أهل الأديان، لأن ذلك يورث العداوة، ويزرع الأحقاد، ويجعل الحكم إلى السلاح، وما على المؤمنين إلا أن يقولوا لمن خالفهم من أهل الكتاب والمشركين: الحكم إلى الله لا إليكم، وقد حكم أن الدّين هو الإسلام لا غيره، والشرائع إنما تتلقّى من بيان الله، ومرجع الحكم وإزالة الخلاف: القرآن والسّنة.
وقد أمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لقومه: ذلكم الله الذي يحيي الموتى، ويحكم بين المختلفين هو ربّي، عليه اعتمدت، وإليه أرجع، لا إلى غيره من المعبودات الأخرى.
٨- احتجّ نفاة القياس بالآية: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي إلى النص من قرآن أو سنّة. والجواب: المراد من الآية: الرّدّ إلى بيان الله، سواء كان البيان بالنّص أو بالقياس، والقياس في معنى المنصوص عليه.

صفحة رقم 36
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية