
وروى عن ابن عباس أنه قرأ " حم سق " بغير سين، وكان يقول: إن السين كل فرقة كائنة، وأن القاف كل جماعة كائنة.
ويقول: إن علياً رضي الله عنهـ إنما كان يعلم الفتن بها.
وفي مصحف عبد الله: ﴿حم* عسق﴾ بغير عين كقراءة ابن عباس.
ومعنى ﴿العزيز﴾، أي: العزيز في انتقامه من أعدائه ﴿الحكيم﴾: في تدبيره خَلْقَه.
قوله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العلي العظيم﴾، إلى قوله: ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، أي: له ملك ما فيها من جميع الأشياء كلها.
﴿وَهُوَ العلي﴾ أي: ذو علو وارتفاع على كل الأشياء، ارتفاع مُلْكٍ وقُدْرَةٍ وسُلطانٍ، لارتفاع انتقالٍ.

﴿العظيم﴾: وله العظمة والكبرياء.
ثم قال تعالى: ﴿تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ﴾، أي: تكاد تشقق من فوق الأرضين من عظمة الرحمن وجلالته. هذا قول جميع المفسرين.
وقيل: المعنى: تكاد السموات يتشققن من أعلاهن من عظمة الله فيكون الضمير في ﴿فَوْقِهِنَّ﴾ (على القول) الأول يعود على الأرضين.
وعلى هذا القول الثاني يعود على السماوات.
وكان علي بن سليمان يقول: الضمير في فوقهن للكفار، أي: من فوق الكفار. وهذا قول بعيد، لا يجوز في المذكرين من بنى آدم: " رأيتهن ".
وقيل: المعنى: يكاد السماوات يتفطرن من فوق الأرضين من قول المشركين

وكفرهم.
﴿والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ تعظيما لله سبحانه وتعجباً من مقالة المشركين وهم مع يستغفرون لمن في الأرض، يعني المؤمنين.
ثم قال تعالى: ﴿والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أي: يُصَلُّونَ بطاعة ربهم شكراً له وجلالةً وهيبةً، هذا قول الطبري.
وقال الزجاج: معناه: والملائكة يُعظمون الله وينزهونه عن السوء.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض﴾، أي: ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من المؤمنين. وهذا اللفظ ومعناه الخصوص قاله السدي وغيره.
ولا يجوز أن يكون (عاما فيدخل) في ذلك الكفار لأنه تعالى قد قال:

﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ﴾ [البقرة: ١٦١] فغير جائز أن يستغفر لهم الملائكة.
وروي عن وهب بن منبه أنه قال: هي منسوخة (نسختها الآية) التي في سورة المؤمن.
قوله تعالى جل ذكره: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [غافر: ٧].
وهذا عند أهل النظر لا يجوز فيه نسخ لأنه خبر، ولكن تأويل قول وهب ابن منبه في هذا أنه أراد أن هذه الآية نزلت على نسخ تلك الآية.

ثم قال: ﴿أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم﴾، أي: الغفور لذنوب مؤمني عباده، الرحيم بهم أن يعذبهم بعد توبتهم.
وأجاز أبو حاتم الوقف على " من فوقهن ". وذلك جائز إن جعلت ما بعده منقطعاً منه. فإن جعلته في موضع الحال لم يجز الوقف دونه.
ثم قال تعالى: ﴿والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾، أي: والذين اتخذوا يا محمد من قومك آلهة يعبدونها من دون الله، الله حفيظ لأعمالهم، مُحْصِيهَا عليهم ومُجازيهم بها يوم القيامة.
﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾، أي: ولست يا محمد بالوكيل عليهم تحفظ أعمالهم، إنما أنت مُنْذِرٌ ومُبَلِّغٌ ما أُرسِلت به إليهم، فعليك البلاغ وعلينا الحساب.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، أي: أوحينا إليك يا محمد قرآناً بلسان العرب لتنذر عذاب الله أهل أم القرى، وهي مكة. سميت بذلك لان الأرض دحيت منها.

وقيل: سميت (أم القرى لأنها أول ما عُظِّمَ وِشُرِّفَ من القرى. وقيل: سميت) بذلك لأنها أول ما وُضِعَ. كما قال: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً﴾ [آل عمران: ٩٦].
وقوله: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، أي: ومن حول أم القرى من سائر الناس.
ثم قال تعالى: ﴿وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾، أي: وتنذرهم عقاب الله الكائن في يوم الجمع لا شك فيه، وهو يوم القيامة. وهذا في الحذف مثل قوله تعالى / ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥]، أي: يخوفكم بأوليائه، فكذلك المعنى: وتنذرهم عقاب الله الكائن يوم الجمع، ثم حذف.
فيكون " يوم " على هذا نصباً على الظرف.
ويجوز أن يكون النصب على المفعول به كما قال: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة﴾ [مريم: ٣٩] وكما قال: ﴿وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب﴾ [إبراهيم: ٤٤] فكل هذا انتصب على أنه مفعول به

وليس بظرف للإنذار، لأن الإنذار لا يكون يوم القيامة إنما الإنذار في الدنيا.
ثم قال تعالى: ﴿فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير﴾، أي: منهم فريق في الجنة وهم المؤمنون، وفريق في السعير - وهي جهنم - وهم الكفار. وسميت جهنم بالسعير لأنها تسعر على أهلها. وروي عن النبي ﷺ أنه: " خَرَجَ يَوْماً عَلَى أَصْحَابِهِ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ: هَلْ: تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ فَقُلْنَا: لاَ، إِلاَّ اَنْ (تُخْبِرَنَا يَا رَسُولَ الله). قَالَ: هَذَا كِتَابٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ، فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الجَنَّةِ وأَسْمَاءُ آبِائِهِمْ وَقَبَائِلِهِم، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِم وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ اَبَداً (وَهَذَا كِتَابُ أَهْلِ النَّارِ بِأَسْمِائِهِمْ وَأَسْمَاءِ أبَائِهِمْ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِم فَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُم أَبَداً) فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيُّ ﷺ: فَفيمَ العُمُلُ إِذَا كَانَ هَذَا أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: بَلْ سَدَّدُوا وَقَارِبُوا، فَإِنَّ صَاحِبَ الجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمضلٍ، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ. فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ العِبَادِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ بِيَدِهِ فَنَبَذَهُمَا. فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الخَلْقِ، فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ، وَفَرِيقُ فِي السَّعِيرِ قَالُوا: سُبْحَانَ الله،

فَلِمَ نَعْمَلُ وَنَنْصَب؟! فَقَالَ رَسُولُ الله: العَمَلُ إِلَى خَوَاتِمِهِ ".
وكان ابن عمر يقول: " إن الله جل ثناؤه لما خلق آدم نفضه نفض المزود فأخرج منه كل ذرية، فخرج أمثال النَّغَفِ فقبضهم قبضتين، وقال: شقي وسعيد، ثم ألقاهما، ثم قبضهما فقال: فريق في الجنة وفريق في السعير ".
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، أي: على دين واحد.
﴿ولكن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾، أي يوفقه إلى الإيمان والطاعة فيرحمه.
ثم قال: ﴿والظالمون مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾، أي: والكافرون ما لهم يوم القيامة من ولي يتولى معونتهم، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله سبحانه.