
القيامة}، أي: وقال المؤمنون يوم القيامة: إن المغبونين، الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
قال السدي: غبنوا ذلك في الجنة.
وقال ابن عباس: هم الذين خلقوا للنار وخلقت النار لهم، خلفوا أهليهم وأموالهم في الدنيا، وصاروا إلى النار فحرموا الجنة والدنيا.
وقال قتادة: خسروا أهليهم الذين أُعِدُّوا لهم في الجنة لو أطاعوا.
وقيل: لما كان المؤمنون يجتمعون مع أهليهم في الجنة وكان الكفار لا يجتمعون معهم كانوا قد خسروهم.
ثم قال: ﴿أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾، أي: دائم ثابت لا يزول أبداً.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله﴾ - إلى آخر السورة).
أي ولم يكن لهؤلاء المشركين أولياء ينصرونهم / من عذاب الله.
ثم قال: ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ﴾ ومن يخذله الله فلا يوفقه إلى الحق فما له من طريق إلى الحق، لأن الهداية والضلال بيده.
ثم قال تعالى: ﴿استجيبوا لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله﴾، أي أجيبوا

أيها الناس داعي ربكم واتبعوه وآمنوا به من قبل أن يأتيَكم يوم لا شيء يرد مجيئه إذا جاء، وهو يوم القيامة.
﴿مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ﴾، أي: ما لكم يوم القيامة معقل تلجؤون إليه مما نزل بكم، وما لكم من إنكار لما حل عليكم ولا تغيير.
قال مجاهد: ﴿مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ﴾، أي: " محرز، ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ﴾، أي من ناصر. فيكون نكير بمعنى: ناكر، أو: منكِر.
وقيل: المعنى في ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ﴾، أي: " لا تنكرون ما وقفتم عليه من أعمالكم ".
قال الزجاج: معناه: ليس لكم مخلص من العذاب، ولا تقدرون أن تنكروا ما توقفون عليه من ذنوبكم، (ولا ما) ينزل بكم من العذاب.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ﴾، أي: فإن

أعرض هؤلاء المشركون عما جئتهم به يا محمد من الحق فلم يؤمنوا به فدعهم، فإذا لم ترسلك إليهم رقيباً عليهم تحفظهم أعمالهم، ما عليك إلا البلاغ لما أرسلت به إليهم، فإذا بلغت قضيت ما يجب عليك.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً﴾، أي: أغنيناه ووسعنا عليه فرح بها.
﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ﴾، أي: وإن يصب الإنسان فقر، أو ضيق عيش، أو علة بما قدمت يداه من المعاصي - عقوبة له من الله تعالى على فعله وعصيانه - جحد نعم الله سبحانه المتقدمة عنده ويئس من الخير.
والتقدير، فإن الإنسان كفور، أي: جحود لنعم ربه، يعد المصائب ويجحد النعم.
والإنسان هنا: واحد للجنس، يدل على الجمع، ولذلك قال: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ﴾، فَجَمَعَ.
ثم قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾، أي: لله سطان السموات والأرض يفعل في سلطانه ما يشاء ويخلق من يشاء، فيهب لمن يشاء - من عباده - الذكور من الأولاد، ويهب لمن يشاء منهم الإناث، ويهب لمن يشاء ذكوراًَ وإناثاً،

ويمنع من يشاء من الولد. فيجعله أو يجعل امرأته عقيماً.
قال ابن عباس يهب بمن يشاء إناثاً لا يولَد له إلا الجواري، ويهب لمن يشاء الذكور لا (يولد له) إلا الغلمان، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً يولد له الجواري والغلمان، فلذلك تزويجهم، وهو قول الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم.
وقال محمد بن (الحنفية) وابن زيد في قوله (أو يزوجهم) ذكراناً وإناثاً، يعني التوأم، يخلق في البطن ذكراً وأنثى ويقال: رجل عقيم لا يولد له، وامرأة عقيم

لا تلد، وريح عقيم لا تأتي بمطر ولا خير.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾، أي: إن الله ذو علم بما خلق، وقدرة على خلق ما يشاء.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه مشافهة، ولكن وحياً يوحي إليه كيف يشاء، إما إلهاماً، وإما مع ملك مقرب، أو من وراء حجاب حيث يسمع كلامه ولا يراه كما فعل بموسى صلوات الله عليه.
﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾، يعني: من الملائكة، كجبريل وشبهه.
﴿فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ﴾، أي: فيبلغ الملك إلى البشر المرسل إليه بإذن الله تعالى ما يشاء الله أن يبلغه إليه من أمره ونهيه وخبره وما أراد.
وقال مجاهد ﴿إِلاَّ وَحْياً﴾، أي: إلا أن يلقي (في قلبه) ما يشاء، ويلهمه ما يشاء، ﴿أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ كموسى، ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ كجبريل إلى محمد عليهما السلام.
وقيل: المعنى: ﴿إِلاَّ وَحْياً﴾ كما أوحى إلى الأنبياء بإرسال جبريل وشبهه من

الملائكة، ﴿أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ كما كلَّم موسى، ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ - يعني: من البشر - إلى الناس كافة.
وقال القتبي: ﴿إِلاَّ وَحْياً﴾: في المنام، ﴿أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ كما كلم موسى أي ملكاً إلى النبي من بني آدم فيبلغه عن الله (ما يشاء) الله أن يبلغه.
﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾، أي: إن الله تعالى لذو علو على كل شيء واقتدار، ذو حكمة في تدبيره خلقه.
(وليس العلو في هذا وشبهه من المسافة إنما هو علو اقتدار، ورفعة حال وجلالة).
ثم قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾، أي: كما أوحينا إلى سائر الرسل قبلك، كذلك أوحينا إليك رحمة من أمرنا: وحياً، وهو القرآن.
قال قتادة: روحاً: رحمة. وقال السدي: روحاً: وحياً. وقال ابن عباس: هو

النبوة.
وقيل: المعنى: أوحينا / إليك ما تحيا به النفوس كما تحيا بثبات الروح فيها، وهو القرآن وما فيه من الإيمان والمواعظ.
ثم قال تعالى: ﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾، أي: لم تكن يا محمد تدري أي شيء الكتاب، ولا أي شيء الإيمان للذين أعطيناكهما.
ثم قال تعالى: ﴿ولكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾، أي: ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس يستضيء بنوره من يشاء الله تعالى ومن يوفقه، ونوره هو: العمل بما فيه.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، أي: وإنك يا محمد لتهدي الناس وتدعوهم وترشدهم إلى طريق مستقيم، أي: إلى الحق والإسلام.
وقرأ الضحاك وحوشب: ﴿وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ بضم التاء وفتح الدال على ما يسم فاعله.
ثم بين الصراط وفسره فقال: ﴿صِرَاطِ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات﴾، أي: طريق

الله الذي دعا إليه عباده.
وقال الضحاك: إلى صراط مستقيم، إلى دين (مستقيم، دين) الله الذي له، وفي ملكه وقدرته وسلطانه جميع ما في السماوات وما في الأرض.
ثم قال: ﴿أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور﴾، أي: ترد أمور جميع الخلق إلى الله تعالى يوم القيامة فيقضى بينهم بالعدل، وأمورهم (أيضاً في الدنيا) إلى الله سبحانه. وإنما خص ذكر يوم القيامة - هنا - لأنه يوم لا يدعي فيه أحد لنفسه شيئاً ولا يتجبر فيه أحد، ولا يدعي أحد مُلْكاً ولا سلطاناً إلا الله سبحانه.
والدنيا فيها الجبارون والملوك والمُدَّعُونَ الباطل، فلذلك خص ذكر يوم القيامة برجوع الأمور إليه تعالى ذكره، وإن كانت في الدنيا بيده وفي حُكْمِه وقَبْضَتِهِ وعن مشيئته تكون، لا إله إلا هو.