آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

١٤- من صبر على الأذى، وغفر بأن ترك الانتصار لوجه الله إذا كان الظالم مسلما، كان صبره من عزائم الله التي أمر بها، ومن عزائم الصواب التي وفق لها.
أحوال الكفار أمام النار
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)
الإعراب:
مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ مِنَ: ابتدائية، أو بمعنى الباء.
إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا الْخاسِرِينَ: اسم إن، والَّذِينَ: خبرها.
المفردات اللغوية:
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ومن يخذل الله، فلا يوفقه إلى الإيمان ويضله بسبب رضاه بالكفر فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ فليس له أحد يلي هدايته مَرَدٍّ رجوع إلى الدنيا مِنْ سَبِيلٍ طريق.
يُعْرَضُونَ عَلَيْها على النار خاشِعِينَ خائفين ذليلين يَنْظُرُونَ إليها مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ضعيف النظر مسارقة، والطرف: العين، أو مصدر معناه إطباق أحد جفني العين على الآخر، والمرة منه: طرفة، ومِنَ ابتدائية، أي يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك ضعيف لأجفانهم خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ بالتعريض لعذاب الخلد إِنَّ الظَّالِمِينَ الكافرين فِي عَذابٍ مُقِيمٍ دائم. وقوله: إِنَّ الظَّالِمِينَ تمام كلام المؤمنين، أو تصديق من الله لهم.

صفحة رقم 93

مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره أَوْلِياءَ نصراء وأعوان يدفع عذابه عنهم فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ طريق إلى الهدى والنجاة والجنة في الآخرة.
المناسبة:
بعد بيان أن الذين يظلمون الناس ويفسدون في الأرض لهم عذاب أليم على بغيهم وعدوانهم، ذكر الله تعالى أحوال الكفار عند رؤية عذاب النار، فهم يتمنون الرجوع إلى الدنيا، ويقفون أمام النار ذليلين خائفين، وتتبين خسارتهم الفادحة بخلودهم في العذاب، دون أن يجدوا أنصارا يخلصونهم من العذاب. وقد بدئت الآيات وختمت ببيان أن الإضلال من الله تعالى، وأن الهداية ليست في مقدور أحد سوى الله تعالى.
التفسير والبيان:
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ أي من يخذله الله بإضلاله إياه، لعلمه بسوء استعداده للخير والإيمان، واقترافه المعاصي والآثام، فما له من أحد يتولى هدايته ونصره، والأخذ بيده إلى طريق الهدى والرشاد والفوز، كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً [الكهف ١٨/ ١٧] وهذا تحقير لأمر الكفرة، وبيان أنه لا يقع شيء في الكون من الهدى والضلال وغيرهما إلا بإرادة الله ومشيئته، حتى لا يوصف بالعجز، وكشف لأحوال الذين أعرضوا عن دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الإيمان بالله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
ثم أخبر الله تعالى عن أحوال الظالمين في الآخرة، وهم المشركون بالله، فقال:
١- وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ؟
أي وتبصر المشركين الكافرين بالله المكذبين بالبعث، حين نظروا إلى النار،

صفحة رقم 94

وعاينوا العذاب، يتمنون الرجوع إلى الدنيا من أي طريق، قائلين: هل من سبيل إلى الرجعة؟
ونظير الآية قوله: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ، فَقالُوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا، وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الأنعام ٦/ ٢٧- ٢٨].
٢- وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ، يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ أي وتبصرهم أيضا يعرضون على النار، وهم خائفون أذلاء، يسارقون النظر إليها من شدة الخوف. وهذا شأن الرهبة من العقاب.
٣- وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا: إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي ويقول المؤمنون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة: إن الخاسرين الخسار الأكبر، هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، بدخول النار والخلود فيها، وعلى هذا التأويل يكون يَوْمَ الْقِيامَةِ متعلقا ب قالَ ويصح أن يتعلق ب خَسِرُوا ويكون قول المؤمنين واقعا في الدنيا، والظاهر: الأول.
أما خسرانهم لأنفسهم، فلكونهم صاروا معذبين في النار، دون أمل في النّجارة، وأما خسرانهم لأهليهم، فإن كانوا معهم في النار، فلا ينتفعون بهم، ولأنهم كانوا هم السّبب في تعذيبهم، وإن كانوا في الجنة فقد فرّق بينهم وبيتهم.
٤- أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ أي ألا إن الكافرين في عذاب دائم لا ينتهي، ولا يخرجون منه، ولا محيد لهم عنه، وهذا تتمة كلام المؤمنين أو تصديق من الله لهم فهو من كلامه.
٥- وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي وليس لهم أعوان وأنصار من غير الله، ينقذونهم مما هم فيه من العذاب.

صفحة رقم 95

٦- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ أي ومن يحجب الله عنه توفيقه إلى الإيمان بسبب علم الله السابق بما سيختاره ويقترفه من الآثام، فلا طريق له إلى النّجاة والجنّة. أي فلا غرابة في وقوع تلك الظّواهر، لأنهم ضالّون منحرفون عن سبيل الإيمان والحقّ.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
١- لا هادي ولا منقذ ولا ناصر لمن خذله الله، بسبب إعراضه عن الإيمان بالله، والمودّة في القربى، والتّكذيب بالبعث، وعدم إدراكه أن متاع الدنيا قليل.
٢- يرى المؤمنون الظالمين الكافرين عند عرض النار عليهم، حال كونهم حقيرين مهانين بسبب ما لحقهم من الذّلّ، يرونهم قائلين طالبين أن يردّوا إلى الدنيا، ليعملوا بطاعة الله، فلا يجابون إلى ذلك.
٣- ويرونهم أيضا حين يعرضون على النار أذلّة صاغرين لا يرفعون أبصارهم للنظر رفعا تامّا، لأنّهم ناكسوا الرؤوس، والعرب تصف الذّليل بغضّ الطّرف.
٤- يقول المؤمنون في الجنة، لما عاينوا ما حلّ بالكفار: إن الخسران في الحقيقة ما صار إليه هؤلاء الكفار، فإنهم خسروا أنفسهم، لأنهم في العذاب المخلّد، وخسروا أهليهم، لأن الأهل إن كانوا في النار فلا انتفاع بهم، وإن كانوا في الجنة، فقد حدثت القطيعة الدائمة بينهم وبينهم، ألا إن الظالمين في عذاب دائم لا ينقطع.
٥- ليس لأولئك الكافرين الظالمين أعوان ونصراء ينصرونهم من عذاب

صفحة رقم 96
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية