
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣١ الى ٣٥]
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ يعني: بفائتين من عذاب الله، حتى يجزيكم به وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: من عذاب الله مِنْ وَلِيٍّ يعني: من حافظ وَلا نَصِيرٍ يعني: مانع يمنعكم من عذاب الله تعالى.
قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ قرأ ابن كثير (الجَوَارِي) بالياء في الوقف، والوصل.
وقرأ نافع، وأبو عمر بالياء في الوصل، وبغير الياء في الوقف، والباقون بغير ياء في الوقف، والوصل. فمن قرأ بالياء فهو الأصل في اللغة، وهي جماعة السفن تجرين في الماء، واحدتها جارية. كقوله: حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ [الحاقة: ١١] يعني: السفينة. ومن قرأ بغير ياء، فلأن الكسر يدل عليه فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ يعني: تسير في البحر كالجبال إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ يعني: يبقين سواكن على ظهر الماء إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني: لعلامات لوحدانيتي لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يعني: الذي يصبر على طاعة الله (شَكُورٍ) لنعم الله.
قوله تعالى: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا يعني: إن يشأ يهلك السفن، بما عملوا من الشرك وعبادة الأوثان وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ولا يجازيهم وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا قرأ ابن عامر ونافع بضم الميم، والباقون بالنصب. فمن قرأ بالضم، فلأنه عطف على قوله: (ويعف) وموضعه الرفع وأصله: (ويعفو) فاكتفى بضم الفاء، والذين كان معطوفاً عليه، رفع أيضاً. ومن قرأ بالنصب، صار نصباً للصرف، يعني: صرف الكلام عن الإعراب الأول، ومعناه: ولكي يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا يعني: في القرآن بالتكذيب مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ يعني: من مفر من الله.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٦ الى ٤٢]
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) صفحة رقم 245

فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: ما أعطيتم من الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: منفعة الحياة الدنيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أي: ما عِنْدَ الله في الآخرة من الثواب والكرامة، خير وأبقى. يعني: أدوم. ثم بين لمن يكون ذلك الثواب فقال: لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي: يثقون به تعالى، ويفوضون الأمر إليه.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وهذا نعت المؤمنين أيضاً، الذين يجتنبون كبائر الإثم، والفواحش. قرأ حمزة والكسائي (كَبِير الإثْمِ) بغير ألف، بلفظ الواحد، لأن الواحد يدل على الجمع، والباقون (كبائر) وهو جمع كبيرة، والكبيرة: ما أوجب الله تعالى الحد عليها في الدنيا، أو العذاب في الآخرة. ثم قال: وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يعني:
إذا غضبوا على أحد يتجاوزون، ويكظمون الغيظ.
ثم قال: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ يعني: أجابوا وأطاعوا ربهم فيما يدعوهم إليه، ويأمرهم به. وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني: أتموا الصلوات الخمس، في مواقيتها وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ يعني: إذا أرادوا حاجة، تشاوروا فيما بينهم. وروي عن الحسن أنه قال: هم الذين إذا حزبهم أمر، استشاروا أولي الرأي منهم وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يعني: يتصدقون في طاعة الله. ثم قال: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ يعني: الظلم هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي: ينتقمون ويقتصون.
روى سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنه قال: كانوا يكرهون أن يستذلوا، ويحبون العفو إذا قدروا. قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها يعني: يعاقب مثل عقوبته لغيره فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ يعني: عفا عن مظلمته، وأصلح بالعفو فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يعني: ثوابه على الله إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ يعني: لمن يبدأ بالظلم. روي عن زيد بن أسلم، أنه قال: كانوا ثلاث فرق، فرقة بالمدينة، وفرقتان بمكة، إحداهم تصبر على الأذى، والثانية تنتصر، والثالثة تكظم، فنزلت الآية: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ نزلت في الذين بالمدينة وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ نزلت في الذين ينتصرون وقوله: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ نزلت في الذين يصبرون.
فأثنى الله تعالى عليهم جميعا.
قوله عز وجل: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ثم نزل في