آيات من القرآن الكريم

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ

قوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ : عطفٌ على «يُسْكِنْ» قال الزمخشري: «لأنَّ المعنى: إنْ يَشَأْ يُسْكِن فيركَدْن. أو يَعْصِفْها فيَغْرَقْنَ بعَصْفِها».
قال الشيخ: «ولا يَتَعَيَّنُ أَنْ يكونَ التقديرَ: أو يَعْصِفْها فيَغْرَقْنَ؛ لأنَّ

صفحة رقم 556

إهْلاكَ السفنِ لا يَتَعَيَّنُ أَنْ يكونَ بعَصْفِ الريح، بل قد يُهْلِكُها بقَلْعِ لوحٍ أو خَسْفٍ». قلت: والزمخشريُّ لم يذكُرْ أنَّ ذلك مُتَعَيِّنٌ، وإنما ذَكَرَ شيئاً مناسباً؛ لأنَّ قولَه: «يُسْكِنِ الريحَ» يقابِلُه «يعْصِفْها» فهو في غايةِ الحُسْنِ والطِّباق.
قوله: «ويَعْفُ» العامَّةُ على الجزمِ عطفاً على جزاءِ الشرط. واستشكلَه القُشَيْرِيُّ قال: «لأنَّ المعنَى: إن يَشَأ يُسْكِنِ الريحَ فتبقى تلك السفنُ رواكدَ، أو يُهْلِكْها بذنوبِ أهلها فلا يَحْسنُ عَطْفُ» ويَعْفُ «على هذا؛ لأنَّ المعنى يَصير: إنْ يَشَأْ يَعْفُ، وليس المعنى [على] ذلك بل المعنى: الإِخبارُ عن العفوِ مِنْ غير شرطِ المشيئةِ، فهو عطفٌ على المجزومِ من حيث اللفظُ لا من حيث المعنى. وقد قرأ قومٌ» ويَعْفُو «بالرفع وهي جيدةٌ في المعنى». قال الشيخ: وما قاله ليس بجيدٍ إذ لم يَفْهَمْ مدلولَ التركيبِ والمعنى، إلاَّ أنَّه تعالى إنْ يَشَأْ أهلك ناساً وأَنْجَى ناساً على طريقِ العَفْوِ عنهم «.
وقرأ الأعمش»
ويَعْفُوْ «بالواو. وهي تحتملُ أَنْ يكونَ كالمجزومِ، وثَبَتَتِ الواوُ في الجزمِ كثبوتِ الياء في ﴿مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ﴾ [يوسف: ٩٠]. ويُحتمل أَنْ يكونَ الفعلُ مرفوعاً، أخبر تعالى أنَّه يَعْفو عن كثيرٍ من السيئات. وقرأ بعضُ أهلِ المدينة بالنصب، بإضمارِ» أَنْ «بعد الواوِ كنَصْبِه في قولِ النابغة:

صفحة رقم 557

٣٩٧٧ - فإنْ يَهْلَكْ أبو قابوسَ يَهْلَكْ ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرَامُ
ونأخذْ بعدَه بذِنابِ عَيْشٍ أجَبَّ الظهرِ ليس له سَنامُ
بنصبِ» ونَأْخُذ «ورفعِه وجَزْمِه. وهذا كما قُرِئ بالأوجه الثلاثة بعد الفاءِ في قولِه تعالى: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] وقد تقدَّم تقريرُه آخرَ البقرةِ، ويكونُ قد عَطَفَ هذا المصدرَ المؤولَ مِنْ» أَنْ «المضمرةِ والفعلِ على مصدرٍ مُتَوَهَّمٍ من الفعلِ قبلَه. تقديرُه: أو يقع إيباقٌ وعَفْوٌ عن كثيرٍ. فقراءةُ النصبِ كقراءة الجزم في المعنى، إلاَّ أنَّ في هذه عَطْفَ مصدرٍ مؤولٍ على مصدرٍ مُتَوَهَّمٍ، وفي تَيْكَ عطفَ فعلٍ على مثلِه.

صفحة رقم 558
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية