آيات من القرآن الكريم

وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۖ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

إن الله قد بث السماوات والأرض دواب وقد قال: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] وقال مجاهد: ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ﴾، يعني: الناس والملائكة والعرب تقول لكل ما تحرك: دب فيه فهو داب والهاء دخلت للمبالغة، وقيل (لتأنيث) الصنعة.
قوله تعالى: ﴿وَمَآ أصابكم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿هُمْ يَغْفِرُونَ﴾.
أي: والذي أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم.
وقيل: " ما " للشرط، والفاء مرادة، وحسن حذفها؛ لأن الفعل الأول لم يعمل فيه الشرط، إذ هو ماض. وفي كون " ما " بمعنى " الذي بعد "، لأنه يصير مخصوصاً للماضي.

صفحة رقم 6595

فكأن ما أصابنا فيما مضى من مصيبة هو بما كسبت أيدينا وما يصيبنا فيما نستقبل يحتمل أن يكون مثل ذلك، وأن يكون على خلافه، لغير ما كسبت أيدينا.
وهذا (لا يجوز، بل هو عام فيما مضى وما يستقبل، ولا يصيبنا من مصيبة ماضية أو مستقبلة إلا بما كسبت أيدينا. وهذا المعنى لا يتضمنه) إلا الشرط لأنه العموم.
فمعنى الآية: إن الله جل ذكره أعلمنا أن ما يصيبنا من مصيبة في الدنيا في الأموال والأنفس والأهل فهو عقوبة منه لنا بما اكتسبنا من الآثام.
ثم قال / تعالى: ﴿وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾، أي: مما اكتسبنا فلا يعاقبنا عليه في الدنيا بالمصائب.
قال قتادة: ذكر لنا نبي الله عليه السلام قال: " لا يُصيب ابنَ آدمَ خَدشُ عودٍ، ولا عَثْر قَدَمٍ، ولا اختلاجُ عرقٍ إلاَّ بِذَنبٍ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَر ".

صفحة رقم 6596

وقال ابن عباس: تعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم في الدنيا ولا يؤاخذون بها في الآخرة.
وقال الحسن: معنى الآية في الحدود، أن الله تعالى جعل الحدود على ما يعمل الإنسان من المعاصي. وهذا يعطي أن " ما " بمعنى " الذي ".
قال إبراهيم بن عرفة: الكثير الذي يعفو (الله تعالى عنه) لا يحصى. وهذه من أرجى آية في القرآن.
وقال علي رضي الله عنهـ في هذه الآية: إذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فماذا يبقى من ذنوبي بين كفارته وعفوه.
وروي عن علي رضي الله أنه قال: ألا أخبركم بأرجى آية في كتاب الله؟ قالوا: بلى،

صفحة رقم 6597

فقرأ: " وما أصابكم من مصيبة " الآية.
ثم قال: فالمصائب في الدنيا بكسب الأيدي، وما عفا الله تعالى عنه في الدنيا فلم يعاقب به في الدنيا فهو أجود وأمجد وأكرم أن (يعذب به) في القيامة.
وروي عنه رضي الله عنهـ أنه قال: ما أحب أن لي بها الدنيا وما فيها.
(وقال أبو وائل: ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة).
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض﴾، أي: وما أنتم أيها الناس بمُعْتِبِين ربكم بأنفسكم هرباً في الأرض حتى لا يقدر عليكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم، ولكنكم في سطانه حيث كنتم، وتحت قدرته أين حللتم، وفي مشيئته كيف تقلبتم.
ثم قال: ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾، أي: (ليس لكم) أيها الناس وَلِيٌّ يليكم فيدفع عنكم عقاب الله، ولا نصير ينصركم إذا أراد عذابكم.

صفحة رقم 6598

قال المبرد: بمعجزين: بسابقين، يقال: أعجز إذا عدا فسبق.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام﴾، أي: ومن علامات الله وأدلته، وحججه عليكم أيها الناس أنه قادر على تسيار السفن الجارية في البحر.
و ﴿الجوار﴾، جمع جارية وهي: السائرة في البحر.
﴿كالأعلام﴾: كالجبال، واحدها علم.
ثم قال تعالى: ﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح﴾، أي: إن يشأ الله ألا تجري هذه السفن في البحر، يسكن الرياح التي (تجري بها).
﴿فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ﴾، أي: فيصرن سواكن ثوابت على ظهر البحر يجرين.
ثم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾، أي: إن في جري هذه السفن في البحر وقدرة الله على إمساكها ألا تجري بإسكانه الرياح، لعظة وعبرة وحجة على أن الله قادر على ما يشاء لكل ذي صبر على طاعة الله شكورٍ نِعَمَ ربه.

صفحة رقم 6599

ثم قال تعالى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾، أي: يغرق هذه السفن في البحر فيهلكن أي يهلك من فيهن بذنوبهم.
ثم قال: ﴿وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾، أي: ويصفح جل ثناؤه عن كثير من ذنوبكم لا يعاقب عليها.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ﴾، أي: ويعلم الذين يخاصمون محمداً ﷺ في آيات الله سبحانه [ما لهم من محيل عن عقاب الله إذا أتاهم على كفرهم، قال السدي] ما لهم من محيص: من ملجأ.
قال الزجاج: " ما لهم من معدل ولا ملجأ، يقال: حاص عنه إذا تنحى عنه ".
ثم قال تعالى: ﴿فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا﴾، أي: فما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا، ومن المال فهو متاع الحياة الدنيا تستمتعون به في حياتكم، وليس من دار الآخرة، ولا مما ينفعكم.
﴿وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى لِلَّذِينَ آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، أي: وما عند الله لأهل طاعته، والإيمان، والتوكل عليه في الآخرة، خير مما أوتيتم في الدنيا من متاعها.

صفحة رقم 6600

" وأبقى "، أي: وأدوم، لأنه لا زوال عنه ولا انقطاع، ومتاع الدنيا (فان وزائل) عن قليل.
ثم قال: ﴿والذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش﴾، أي: وهو للذين يجتنبون كبائر الإثم.
" روي عن ابن مسعود أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي: الذنب أعظم؟ قال: " أَنْ تَجْعَلَ لله نِدّاً وهو خَلَقَكَ، قلت: ثُمَّ أَيُّ؟ قال أن نَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أن يَأْكُلَ مَعَكَ. قلت: ثم أَي: قَالَ: أن تَزْنِي بِحَلِيلَةِ جَارِكَ؛ ثُمَّ ذَكَرَ أَكْلَ مَالِ اليَتِيمِ، وَقَذْفَ المُحْصَنَةِ، والغلُولَ، والسِّحْرَ وَأَكْلَ الرِّبَا ".
فهذا حديث مفسر في الكبائر.
وعن ابن مسعود أنه قال: الكبائر: من أول سورة " النساء " إلى رأس ثلاثين آية منها إلى قوله: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً﴾ [النساء: ٣١].

صفحة رقم 6601

وقال ابن عباس - وقد سئل عن الكبائر - هي كل ما نهى الله تعالى / عنه.
وروي عنه أنه قال: الكبائر: " (كل ما) ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب ".
وقال الضحاك: هي كل موجبة أوجب الله تعالى لأهلها العذاب (وكل ما) يقام عليه الحد فهو كبيرة.
وعن ابن عباس: " والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش "، قال: هو الشرك بالله تعالى، واليأس من روح الله سبحانه، والأمن من مكر الله جلت عظمته، ومنها: عقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله سبحانه، وقذف المحصنات، وأكل (مال اليتيم)، والفرار من الزحف، وأكل الربا، والسحر، والزنا، واليمين الغموس واليمين الفاجرة، والغلول، ومنع الزكاة المفروضة، وشهادة الزور، وكتمان

صفحة رقم 6602
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية