آيات من القرآن الكريم

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

فرقة: المعنى ويجيب المؤمنون ربهم، ف الَّذِينَ: فاعل بمعنى يجيبون دعوة شرعه ورسالته. والزيادة من فضله: هي تضعيف الحسنات، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: هي قبول الشفاعات في المذنبين والرضوان.
وقوله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ قال عمرو بن حريث وغيره إنها نزلت لأن قوما من أهل الصفة طلبوا من رسول الله ﷺ أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق، فأعلمهم الله تعالى أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم لكان سبب بغيهم وإفسادهم، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة في كل أحد، وله بعبيده خبرة وبصر بأخلاقهم ومصالحهم، فهو ينزل لهم من الرزق القدر الذي به صلاحهم، فرب إنسان لا يصلح وتكتف عاديته إلا بالفقر وآخر بالغنى. وروى أنس بن مالك في هذا المعنى التقسم حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني. وقال خباب بن الأرتّ: فينا نزلت: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ الآية، لأنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت الآية.
قوله عز وجل:
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٨ الى ٣٣]
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣)
هذه تعديد نعمة الله تعالى الدالة على وحدانيته، وأنه الإله الذي يستحق أن يعبد دون سواه من الأنداد.
وقرأ «ينزّل» مثقلة جمهور القراء، وقرأها «ينزل» مخففة ابن وثاب والأعمش، ورويت عن أبي عمرو، ورجحها أبو حاتم، وقرأ جمهور الناس: «قنطوا» بفتح النون، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش: بكسر النون، وقد تقدم ذكرها وهما لغتان: قنط، وقنط، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له:
أجدبت الأرض وقنط الناس، فقال: مطروا إذا، بمعنى أن الفرج عند الشدة، واختلف المتأولون في قوله تعالى: وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ فقالت فرقة: أراد بالرحمة المطر، وعدد النعمة بعينها بلفظتين: الثاني منهما يؤكد الأول. وقالت فرقة: الرحمة في هذا الموضع الشمس، فذلك تعديد نعمة غير الأولى، وذلك أن المطر إذا ألم بعد القنط حسن موقعه، فإذا دام سئم، فتجيء الشمس بعده عظيمة الموضع.
وقوله تعالى: وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أي من هذه أفعاله فهو الذي ينفع إذا والى وتحمد أفعاله ونعمه،

صفحة رقم 36

لا كالذي لا يضر ولا ينفع من أوثانكم. ثم ذكر تعالى الآية الكبرى، الصنعة الدالة على الصانع، وذلك خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
وقوله تعالى: وَما بَثَّ فِيهِما يتخرج على وجوه، منها أن يريد إحداهما فيذكر الاثنين كما قال:
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرحمن: ٢٢] وذلك إنما يخرج من الملح وحده، ومنها أن يكون تعالى قد خلق السماوات وبث دواب لا نعلمها نحن، ومنها أن يريد الحيوانات التي توجد في السحاب، وقد يقع أحيانا كالضفادع ونحوها، فإن السحاب داخل في اسم السماء. وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال في تفسير: وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ هم الناس والملائكة، وبعيد غير جار على عرف اللغة أن تقع الدابة على الملائكة.
وقوله تعالى: وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ يريد القيامة عند الحشر من القبور وقوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ قرأ جمهور القراء: «فبما» بفاء، وكذلك هي في جل المصاحف. وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة: «بما» دون فاء. وحكى الزجاج أن أبا جعفر وحده من المدنيين أثبت الفاء. قال أبو علي الفارسي: «أصاب»، من قوله: «وما أصاب» يحتمل أن يكون في موضع جزم، وتكون ما شرطية، وعلى هذا لا يجوز حذف الفاء عند سيبويه، وجوز حذفها أبو الحسن الأخفش وبعض البغداديين على أنها مرادة في المعنى، ويحتمل أن يكون «أصاب» صلة لما، وتكون ما بمعنى الذي، وعلى هذا يتجه حذف الفاء وثبوتها، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم، أي لولا كسبكم ما أصابتكم مصيبة، والمصيبة إنما هي بسبب كسب الأيدي، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم، ويجوز أن يعرى منه، وأما في هذه الآية فالتلازم مطرد مع الثبوت والحذف.
وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه، فقالت فرقة: هي إخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا إنما هي مجازاة من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه، وأن الله تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر»، وقال عمران بن حصين وقد سئل عن مرضه إن أحبه إلي أحبه إلي الله، وهذا بما كسبت يداي، وعفو ربي كثير. وقال مرة الهمداني: رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت ما هذا؟ قال هذا بما كسبت يدي وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ، وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء إليهم؟ فقال لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم. وروي عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الله أكرم من أن يثني على عبده العقوبة إذا أصابته في الدنيا بما كسبت يداه». وقال الحسن بن أبي الحسن، معنى الآية في الحدود: أي ما أصابكم من حد من حدود الله، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه، فإنما هي بكسب أيديكم وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ، فستره على العبد حتى لا يحد عليه. ثم أخبر عن قصور ابن آدم وضعفه وأنه في قبضة القدرة، لا يعجز طلب ربه، ولا يمكنه الفرار منه والْجَوارِ جمع جارية، وهي السفينة.
وقرأ: الجواري بالياء نافع وعاصم وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة، ومنهم من أثبتها في الوصل ووقف

صفحة رقم 37
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية