
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قَالَ «الشَّفَاعَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ مِمَّنْ صَنَعَ إِلَيْهِمْ مَعْرُوفًا فِي الدُّنْيَا» وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ اللَّخْمِيِّ في قوله عز وجل:
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قَالَ: يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِهِمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قَالَ: يُشَفَّعُونَ في إخوان إخوانهم. وقوله عز وجل وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ ذَكَرَ الْكَافِرِينَ وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ الْمُوجِعِ الْمُؤْلِمِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ وَحِسَابِهِمْ.
وَقَوْلُهُ تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أَيْ لَوْ أَعْطَاهُمْ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ لَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَشَرًا وَبَطَرًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يُقَالُ خَيْرُ الْعَيْشِ مَا لَا يُلْهِيكَ وَلَا يُطْغِيكَ، وَذَكَرَ قَتَادَةُ حَدِيثَ «إِنَّمَا أَخَافُ عليكم ما يخرج الله تعالى مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» وَسُؤَالَ السَّائِلِ: أَيَأْتِي الخير بالشر؟
الحديث. وقوله عز وجل: وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ أَيْ وَلَكِنْ يَرْزُقُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ مَا يَخْتَارُهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيُغْنِي مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغِنَى وَيُفْقِرُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْفَقْرَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ «إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدْتُ عليه دينه وإن مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدْتُ عليه دينه».
وقوله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أَيْ مِنْ بَعْدِ إِيَاسِ النَّاسِ مِنْ نُزُولِ الْمَطَرِ يُنَزِّلُهُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِمْ وفقرهم إليه كقوله عز وجل: وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم: ٤٩] وقوله جل جلاله: وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أَيْ يَعُمُّ بِهَا الْوُجُودَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْقُطْرِ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الخطاب رضي الله عنه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قُحِطَ الْمَطَرُ وَقَنَطَ النَّاسُ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مُطِرْتُمْ ثُمَّ قَرَأَ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ لِخَلْقِهِ بِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ وَهُوَ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ فِي جَمِيعِ ما يقدره ويفعله.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١)
يَقُولُ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَسُلْطَانِهِ الْقَاهِرِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما أَيْ ذَرَأَ فِيهِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَهَذَا يَشْمَلُ الملائكة والإنس والجن وَسَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وطباعهم

وَأَجْنَاسِهِمْ وَأَنْوَاعِهِمْ وَقَدْ فَرَّقَهُمْ فِي أَرْجَاءِ أَقْطَارِ السموات والأرض وَهُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ فَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ الحق.
وقوله عز وجل: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ أَيْ مَهْمَا أَصَابَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْمَصَائِبِ فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ أَيْ مِنَ السَّيِّئَاتِ فَلَا يُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا بَلْ يَعْفُو عَنْهَا وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فَاطِرٍ: ٤٥] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» «١». وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ نَزَلَتْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزَّلْزَلَةِ: ٧- ٨] وأبو بكر رضي الله عنه يَأْكُلُ فَأَمْسَكَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أرى مَا عَمِلْتُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ، فَهُوَ مِنْ مَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ وَتُدَّخَرُ مَثَاقِيلُ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَاهُ يوم القيامة» وقال: قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: فَإِنِّي أَرَى مِصْدَاقَهَا فِي كتاب الله تَعَالَى:
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي قلابة عن أنس رضي الله عنه قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا محمد بن عيسى بن الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْكَاهِلِيُّ عَنِ الْخَضْرِ بْنِ الْقَوَّاسِ الْبَجْلِيِّ عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ
وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِيُّ: مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ» وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدَةَ عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ قَالَ: قال علي رضي الله عنه فَذَكَرَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا.
ثُمَّ رَوَى ابْنُ أَبِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقال: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعِيَهُ؟ قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قال ما عاقب الله تعالى بِهِ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يثني عليه بالعقوبة يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدنيا فالله أكرم
(٢) تفسير الطبري ١١/ ١٥٠.
(٣) المسند ١/ ٨٥.